Site icon صحيفة الوطن

تزوير التاريخ

| حسن م. يوسف 

«تكلم بنعومة واحمل هراوة ضخمة، تذهب بعيداً»
منذ تأسيس الكيان الصهيوني قبل ثمانية وستين عاماً يلتزم السَّاسَة الصهاينة بهذه المقولة التي تنسب لثيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرين لأميركا، إلا أن الصهاينة بدؤوا يفقدون صوابهم بعد القرار الذي اتخذته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في الثامن عشر من تشرين الأول الماضي الذي «ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثاً إسلامياً خالصاً».
فقد حظر الصهاينة نشاط اليونسكو في الأرض المحتلة وجمدوا عضويتهم فيها رغم أنهم لم ينتسبوا إليها إلا منذ ستة أعوام، كما بدؤوا في حملة ضغوطات دولية كانت أولى نتائجها تراجع إيطاليا عن القرار. وترسيخاً لحالة الهستيريا أعلن نتنياهو أنه سيشارك بنفسه في نقل الأتربة التي تتخلف عن عمليات الحفر التي تجري أسفل المسجد الأقصى بحثاً عن هيكل النبي سليمان، ودعا الجميع للمشاركة، كما قررت حكومته اعتبار مشاركة الشبان الصهاينة في الحفريات جزءاً من فترة خدمتهم الإلزامية في الجيش.
ويبدو أن سلطات الكيان الصهيوني قد أعلنت حالة الاستنفار على جبهة الآثار، فأعلنت دون التزام بالقواعد العلمية المتبعة عن اكتشاف رقعة أثرية زعمت أنها ترجع للقرن السابع قبل الميلاد، وقد نشرت جريدة هآريتس قبل أيام مقالاً بعنوان «علماء آثار يشككون في صحة الرقعة التي تحمل اسم يورشلايم»، إلا أن تشكيك علماء الآثار «الإسرائيليين» بالوثيقة لم يمنع نتنياهو من عرض الوثيقة في مؤتمر صحفي ومخاطبة الصحفيين قائلاً: «يمكنكم أن تروا هذا بالعبرية، مكتوب «يرشلمه».
ويبدو أن حالة الهستيريا الصهيونية في تنام مستمر ففي الأول من الشهر الحالي كتب يوري يلون في (إسرائيل اليوم) أن سلطة الآثار الصهيونية عرضت صخرة في ندوة «تجديدات في علم آثار القدس ومحيطها» التي انعقدت في الجامعة العبرية يوم الخميس الماضي نحتت عليها «كتابة إسلامية عتيقة تشهد أن مبنى قبة الصخرة كان يسمى في بداية العهد الإسلامي (بيت المقدس)» وبما أن من يغرق يتمسك بحبال الهواء فقد اكتشف الصهاينة أن وجود معادل للعبارة العربية بالعبرية (بيت همقداش) يعطيهم حقاً تاريخياً في المدينة! فيا له من جنون ما بعده جنون!
لقد أثبت العالم البريطاني كيث وايتلام، رئيس قسم الدراسات الدينية في جامعة استيرلينغ بأسكتلندا في كتابه «اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني» أن تاريخ إسرائيل القديم يبدو كلحظة قصيرة من التاريخ الفلسطيني الطويل «كما استنتج أن «إسرائيل ليست سوى كينونة في الزمن الفلسطيني، لا أكثر».
وقد استند وايتلام في ذلك على نتائج التنقيبات الأثرية، التي تثبت أن إسرائيل القديمة قد «تم اختلاقها على شكل الدولة القومية الأوروبية» إلا أنه لا ينسى أن يذكر بأن «اختلاق وإنشاء أميركا هو حالة شبيهة بتلك التي تمت فيها مصادرة فلسطين وجردت من أي معنى وأسكت تاريخها بقوة».
يستطيع الصهاينة تلفيق التاريخ كما يحلو لهم لكنني على ثقة تامة أن أحفادي سيرون نهاية كيانهم كما رأى أجدادي نهاية مملكة الفرنجة في فلسطين، فالشمس لا تغطى بغربال!

Exit mobile version