Site icon صحيفة الوطن

ترامب في مواجهة الضغط

| مازن جبور 

فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب شكل شيئاً من التفاؤل العام استناداً إلى تصريحاته ووعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية بأنه سيقطع التمويل عن التنظيمات المسلحة في سورية، بعد أن كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون تطلق تصريحات معادية لسورية وتعد الإرهابيين بوافر من السلاح في حال فوزها.
ومع وصول الرئيس الأميركي الخامس والأربعين إلى البيت الأبيض اسودت وجوه من انتظروا وعود كلينتون، وباتوا منقسمين بين من يبحث عن تقزيم حلمه ومن يستجدي طريقاً يمكنه التراجع من خلاله وكان من السباقين إلى ذلك عضو الائتلاف المعارض ميشيل كيلو الذي كتب مقالاً بعنوان «نعم.. لتخرج النصرة من حلب وسورية».
ومن المسلم به أن مراجعة تطورات الوضع الأميركي خلال الأشهر الأخيرة من إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما تظهر بوضوح الخلافات العميقة بين أوباما ووزارة الدفاع الأميركية البنتاغون وجهازها الاستخباراتي (C I A)، حول آلية التعامل الأميركية مع الأزمة السورية وعلى وجه الخصوص التفاهمات الروسية الأميركية حول سورية ويبدو أن تيار «البنتاغون» كان الأقوى فدفع بالإدارة الأميركية لإيقاف التعاون مع موسكو.
ومن المعروف في آلية الحكم الأميركية وعلى وجه الخصوص السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أن هناك ما يمكن تسميته الثوابت، بغض النظر عمن يتسلم سدة الحكم من الجمهوريين أم الديمقراطيين. هذه الثوابت قائمة على اتفاق الحزبين، وهي ما يتعلق بإستراتيجيتي الدفاع والاقتصاد، لكن في الوقت عينه هناك اختلافات فكرية بين الحزبين.
لكن المدقق سيجد أن هامش الاختلاف في هذه النقطة بين الحزبين ليس كبيراً، وقد تجلى ذلك بالنسبة للجمهوريين بعد أحداث 11 أيلول 2001، حيث أسهمت تلك الأحداث في خلق شد وتوتر بين وزارة الخارجية الأميركية من جهة، ووزارة الدفاع والبيت الأبيض من جهة أخرى.
فالخارجية، بحكم دورها، تعد صاحبة التخصص ولديها تاريخ حافل وخبرة ودراية أعمق في التعامل مع العالم، قائمة على سياسة التوازنات في العلاقات الخارجية بحسب ما تمثله كل منطقة وكل ملف بالنسبة للمصالح الأميركية العليا، على حين يغلب على طاقم البيت الأبيض ووزارة الدفاع النزعة الإيديولوجية القائمة على تكريس أميركا كقطب أوحد مهيمن على مقاليد الأمور في العالم بفارق كبير في القوة والمنعة بينها وبين أقرب منافسيها بحيث يتعذر على أي قوة دولية مجرد التفكير في منازعتها.
في هذا الإطار، المرتبط بضرورة التفوق الأميركي، أعرب حلف شمال الأطلسي «الناتو» عن قلقه حيال سبل الحفاظ على وحدة أعضائه بعد فوز ترامب، معتبرا أن الأطلسي يلعب الدور الأهم في صد الإرهاب و«العدائية الروسية المتصاعدة»، ولتذكر صحيفة «Der Spiegel» الألمانية مؤخراً أن «الناتو» أرجأ قمته المزمعة مطلع العام المقبل، إلى الصيف القادم ليتسنى حتى حينه لترامب تحديد سياسته تجاه الحلف.
نستنتج مما سبق أن «البنتاغون» و(C I A) لن تسمحا لإدارة الرئيس ترامب بالخروج عن الإستراتيجية الأميركية القائمة على معادلة (عسكرة – اقتصاد) وبالتالي فإن الحديث عن تراجع ترامب فيما يخص سورية غير مقبول من قبلهم، وبالتالي فإن المظاهرات التي خرجت في مدن أميركية تهدف إلى الضغط على الرئيس الجديد لإعادته إلى بيت الطاعة، وهو ما سيشكل المادة التثقيفية الرئيسية التي سيخضع لها ترامب في الدورة التي أعلن البيت الأبيض عنها.

Exit mobile version