Site icon صحيفة الوطن

سورية والترتيبات الإقليمية

| مازن بلال 

منذ فوز المرشح الأميركي دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية ازدادت مساحة الاحتمالات، وأصبح الصراع في سورية يقف عند الرهانات المرتقبة في العلاقة بين موسكو وواشنطن، فالرئيس القادم الذي اعتبر أنه يقود «حركة» وليس حملة انتخابية يريد إحداث فارق في السياسة الأميركية، لكن هذا التحول لا يعني بالضرورة إيجاد مساحة لحل الأزمات بل سياسة مختلفة في رسم العلاقات مع القوى الدولية؛ ومع روسيا على وجه التحديد التي ستبقى «خصما» بحكم «المشروع» الذي ظهر بوضوح خلال السنوات الماضية.. في مرحلة انتظار الرئيس الجديد هناك «ترتيبات» على المستوى الإقليمي؛ فهي تحضير لاحتمالات مختلفة يمكن أن تظهر مع استلام الرئيس الأميركي القادم لمهامه، ومن الممكن أن تصبح جميع الأحداث حتى بداية شباط القادم محاولات استباقية لإيجاد مناخ دولي وإقليمي، فكسر «احتمالات» ذهاب الرئيس ترامب باتجاه التصعيد يبدو أساسيا بالنسبة لموسكو، وهي تبدي مرونة باتجاه تعزيز ثقة جديدة مع الإدارة القادمة، ومن الممكن قراءة أمرين أساسيين فيما يخص الأزمة السورية:
• الأول أن الكرملين يعتبر أن المنافسة الدولية مع الولايات المتحدة في سورية تعتمد أساسا على بناء توازن جديد، وهو قائم اليوم على قضية محاربة الإرهاب (وداعش تحديدا)، لكن المسألة تبدو أعمق لأنها في النهاية تستند إلى انهيار الدولة الإقليمية بمفهومها القديم، وتداعي منظومة الشرق الأوسط.
قضايا الإرهاب هنا تعتمد على «فراغ» حقيقي في قدرة الدول على مواجهة صراع غير تقليدي من جهة، ويحتاج لتماسك سياسي لمواجهته على المدى البعيد، فـ«سد الفراغ» في شرقي المتوسط لن يكون على شاكلة ما حدث في الخمسينيات، فهو يقوم اليوم على احتمال معركة ستطول أكثر من كونه إعادة اقتسام نفوذ على حساب قوى انسحبت من المنطقة، وهو ما جرى عملياًفي منتصف القرن الماضي حيث تمددت الولايات المتحدة على حساب فرنسا وبريطانيا، في حين يبدو الإرهاب ظاهرة قادرة على كسر المعادلات وخلق فراغ سياسي من دون أن تنحسر لأنها تتمدد بشكل غير نمطي ودون وجود حقيقي على الجغرافية.
• الثاني عملياً بناء البنى السياسية وذلك بشكل معاكس لنظرية «حل الأزمات» وفق النمط الغربي عموما، فإنعاش المجتمع المحلي وتنشيط العمل المدني لن يكون بالضرورة حلا عميقا للصراعات، فالحل السياسي يجب أن يستند أولا إلى بنية سياسية قوية قادرة على التعامل مع مسألة حل النزاعات بدلا من تركها تخلق شروطا متناقضة كما حدث في العقدين الماضيين في أغلب مناطق الصراع.
في سورية سيبقى الصراع قائما بين النموذجين السابقين حتى مع فوز ترامب، فالانفراج إن حدث سيكون في الترتيبات وليس في مسألة المفاهيم الأساسية مثل السيادة على سبيل المثال، في حين يبقى التفكير بسيناريوهات جديدة لمفهوم الدولة الوطنية قائما، وربما أكثر عنفا لأن ظاهرة الإرهاب لا تزال مجال نزاع في مفهومها أو الاعتماد عليها لإحداث تحولات حادة، وإذا كانت موسكو تذهب نحو الاعتماد على البنية السياسية لبناء أي مسار ينهي الصراع، فإن النموذج «الليبرالي الجديد» ليس مهتما سوى بالمستوى التقني لموضوع فض النزاعات بكل ما تحملها من تفاصيل تغير من طبيعة العلاقات بين الأطراف المتنازعة؛ فليس من اهتمامها صياغة قوى إقليمية إنما التعامل مع الاحتمالات التي تبقى ضمن سياق النظام الدولي الحالي.

Exit mobile version