Site icon صحيفة الوطن

أفكار دي ميستورا زوغان بالرؤية، أم ماذا…!؟

| عبد السلام حجاب 

كثير من الوقائع والمعطيات تغيرت على خلفية ما يشهده العالم من تطورات ومستجدات سياسية وعسكرية ومسار متشابك ومضطرب للأزمات، من أوكرانيا إلى بحر الصين مروراً بالأزمة في سورية وما تمثله من أساس فالق زلزالي، لكون سورية قلب الشرق الأوسط سياسياً وجغرافياً. وصولاً إلى الأزمة التي تعصف بالنظام الدولي الجديد حيث بات من الصعب على أمريكا، إن لم يكن من المستحيل إعادته إلى الوراء. ما يشي بأن الصراع في العالم ليس يتيماً بل له أم وأب.
ضمن هذا الواقع المتغير بسرعة كما يبدو بفعل الصدمة غير المتوقعة التي أحدثها فوز الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية. وببطء أحياناً مشوب بالقلق والحذر تتفاعل تأثيراته داخل أميركا وخارجها في أوروبا والشرق الأوسط، حيث حسابات الكثيرين تتحرك على غير صعيد سياسي. ولم تبتعد عنها تصريحات الديمقراطية هيلاري كلينتون الخاسرة في الانتخابات الأميركية وهي تحث مؤيديها في الشارع الأميركي على مواصلة احتجاجات الصخب الملون ضد فوز ترامب. مايشي بأن ما أطلق عليه الثورات الملونة تجد مناصرين لها ومؤيدين داخل الولايات المتحدة على غير قاعدة الديمقراطية المعتمدة في الانتخابات!؟ وليست إلا أحد أشكال الانفصال عن الواقع الناجمة عن المتغيرات والوقائع على الساحة الدولية، تبدو أفكار وتصريحات المبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا الذي يقدم من خلالها نسخة محدثة لما دأب عليه سلفه الإبراهيمي الذي أغرق مهمته الأممية بمفردات ومصطلحات تضليلية من خارج سياق التاريخ الوطني للسوريين. وقد اعتمد المبعوث الدولي دي ميستورا في أفكاره وتصريحاته مصطلحاً مسيساً جديداً للإرهابيين متماهياً مع معارضة واشنطن المسلحة في سورية من تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بعناوينه الجديدة ويصفهم بأنهم غير راضين في سورية.. والتهويل باحتمال انضمامهم إلى داعش الإرهابي بذريعة خشيته على هذا الجنس من الملائكة المفترضين من إغراءات باقي الشياطين. وذلك في موقف غير نزيه يتماهى مع التصنيفات الأميركية المسيسة التي لا تريد الانفصال عنها أو عزلها لخدمة مشاريعها وأجنداتها السياسية والعسكرية في سورية والمنطقة.
ولغرض التذكير بالوقائع ودلالاتها، فإنه حين قُتل داغ همرشولد، ثاني أمين عام للمنظمة الدولية في حادث طائرة غامض فوق الكونغو. وقع الاختيار على «يوثانت» كرجل يصلح للمرحلة الجديدة. وكانت الولايات المتحدة أشد خبثاً بأنها حرصت على أن تترك بجواره رجلاً دبلوماسياً من الخارجية الأميركية هو الدكتور «رالف باتش» الذي كان على صلة بدوائر صنع القرار الأميركي وضالعاً بالتنسيق بينها وبين وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وهو الدور الذي يقوم به السفير الأميركي جيفري فيلتمان من موقعه الحالي في المنظمة الدولية ولم يعد خافياً ما يضيفه دوره من نسب عالية للشك والريبة على أفكار وتصريحات دي ميستورا التي تأتي في ضوء مسافة لا يمكن لأحد تجاهلها من التطورات على المسارين السياسي والعسكري في سورية سواء من حيث نجاح خيار المصالحات واتساع رقعتها الجغرافية والسياسية أو الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في محاربة الإرهاب بدعم سياسي وعسكري تقدمه روسيا وإيران ودول وقوى حليفة وصديقة أخرى.
إنه وعقب لقائه الأول مع الوزير الأميركي كيري في ليما منذ 15 تشرين الثاني الماضي، صرح الوزير الروسي لافروف بأن اجتماعاتنا في جنيف على مستوى الخبراء العسكريين والمستشارين السياسيين، التي لا نعلن عن نتائجها تصطدم بعقبة عدم تنفيذ الجانب الأميركي لاتفاقنا بشأن فصل ما يسمونها «المعارضة المعتدلة» عن تنظيم جبهة النصرة الإرهابي.
وأعلن أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي أن تأكيد الرئيسين بوتين والأميركي المنتخب ترامب خلال الاتصال الهاتفي الأول بينهما سعيهما لمكافحة الإرهاب، شكل أساساً جيداً للعمل المقبل في موضوع تسوية الأزمة في سورية.
كما قالت مصادر في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين نقلتها صحيفة واشنطن بوست. تؤكد استعداد الوزارتين لتتابع المسار السياسي للرئيس المنتخب وتعهده بتحسين العلاقات الأميركية الروسية، مشددة على أن الخطوة القادمة في التعاون مع موسكو ستتمثل باستئناف العمل باتفاق 9 أيلول المتعلق بالأزمة في سورية ومؤخراً أعرب الجنرال المتقاعد مايكل فيلين، أبرز المرشحين لمنصب مستشار ترامب لشؤون الأمن القومي، عن تأييده لإطلاق عهد جديد من التعاون العسكري الأميركي الروسي.
واستنتاجاً يصبح التساؤل مشروعاً بشأن أفكار وتصريحات دي ميستورا المحدثة وفق النهج السياسي الأميركي الذي يبحث عن فرص نجاح ضائعة وفقاً لرغبات فيلتمان ليبقى السؤال واقعياً وقائماً بشأن ما إذا كانت أفكار وتصريحات دي ميستورا كمبعوث دولي يفترض به النزاهة والحيادية مجرد أوهام يحرص على التمسك بها قبل رحيله. أم هي زوغان بالرؤية إذا تعقدت خريطة الإرهاب وتنظيماته وتشوشت أمامه رؤية الواقع على حقيقته والصراع القائم وتداعياته الخطرة المحتملة، أم إن لديه حسابات افتراضية أخرى ذات مرجعية أميركية وفرنسية وبريطانية تعول على مشاريع التقسيم أو الفدرلة، وعلى أطماع أردوغان العثمانية وأجندات بني سعود ومشيخة قطر التي تلقى ترحيب الكيان الإسرائيلي وكيف يمكن للمبعوث الأممي توظيف مساراتها الافتراضية والعالم يتقدم على قاعدة القانون الدولي والحقوق السيادية للدول.
يمكن القول إن من يراقب الأحداث في سورية بواقعية سياسية، يدرك أن مواصلة اللعب مع الإرهاب سياسة خاطئة كما لم تعد مفيدة محاولات تدجين قرار مجلس الأمن الدولي 2254 أو تغييب الالتزام بمندرجات القرار 2253 المتعلق بالإرهاب، أو تعطيل القرار 2268 وما يمثله من مظلة شرعية للاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية في سورية، وهي قرارات ملزمة لاستئناف العملية السياسية في جنيف على أساس حوار سوري سوري بقيادة سورية من دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي، ولعل تسييل هذه القرارات سياسياً يشكل أساس نجاح دي ميستورا بمهمته الدولية، ما يعني أن محاولات الرئيس أوباما تبييض صفحته قبل مغادرته البيت الأبيض تستدعي إيجاد طرق للتعاون في مكافحة الإرهاب على قاعدة المبادئ الدولية والخروج من العجز أمام من يسميهم المعارضة المعتدلة التي تشكل جبهة النصرة الإرهابية عمودها الفقري، وليس السعي لتوفير حماية لها بذرائع إنسانية مفبركة مع تصريحات استفزازية.
لقد أكد الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع التلفزيون البرتغالي استعداد سورية للتعاون في محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار بأي طريقة شرط الأخذ بالحسبان مصلحة وإرادة السوريين وعليه فإن تصريحات الرئيس المنتخب ترامب ستكون على المحك بعد دخوله رسمياً البيت الأبيض عندها فإن ترامب إذا حارب الإرهابيين سيكون حليفاً طبيعياً لسورية مع روسيا وإيران.

Exit mobile version