Site icon صحيفة الوطن

ترامب بعيون الكتّاب … عميل متقلب بشكل خطر على الساحة الدولية!

| مها محفوض محمد

بدلاً من هزيمته كما انتظروا جاء فوز ترامب صدمة كبرى لها مفعول زلزال أتى من خارج السياق والتوقعات حتى في الأوساط الثقافية التي هاجمته أثناء حملته الانتخابية حيث حاولوا في أيار الماضي إيقاف ترشيحه حين توجه ستمئة كاتب في رسالة مفتوحة إلى الأميركيين يعلنون فيها معارضتهم دون التباس لترشيح ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة لكن محاولتهم لم تجد نفعاً.
الآن وقد أصبح ترامب رئيساً فليس لدى هؤلاء المثقفين سوى الأسف والتوجس ومن العناوين البارزة التي تصدرت صفحات الثقافة عن هذا الموضوع كان: «من ستيفن كينغ إلى رولينغ الكتّاب مذهولون بما يكفيهم»، ذلك أن ردة فعل الكاتب الأميركي الشهير ستيفن كينغ كانت قوية حيث أعلن عبر عدة مواقع عن كآبته وصدمته من فوز ترامب وقال للمشاركين معه على مواقع التواصل الذين يبلغ عددهم مليونين ونصف المليون بأنه لن يكتب شيئاً لمدة لاحقة ولن يسدي بنصائحه لقرائه ولن يعرض صور كلبه ويختم «سأوقف كل شيء».

أيضاً قالت الكاتبة الأميركية جويس كارول أوتس: بالنسبة للكثيرين بيننا فإن انتخابات 2016 كانت مزورة عبر إحباط الناخبين والأكاذيب الممنهجة وغسيل الأدمغة هذا ما فعله ترامب، أما الكاتبة الكندية مارغريت آتوود فقد توجهت إلى الأميركيين بالقول: أعزائي كل شيء سيسير على ما يرام في المدى البعيد لقد تجاوزتم الأسوأ، تذكروا…
الروائي الأميركي كاتب الخيال العلمي جورج مارتن كتب على موقعه تحت عنوان «الرئيس الذي يمسك بأعضاء المرأة»: ما من كلمات لدي لأصف ما أشعر به هذا الصباح أميركا قالت كلمتها، كنت أعتقد أننا أفضل من ذلك سيكون ترامب أسوأ رئيس في التاريخ الأميركي وعميل متقلب بشكل خطير على الساحة الدولية، إن الديمقراطيين الأقلية في مجلس الشيوخ لا توجد لديهم سلطة المعارضة وخلال السنوات الأربع القادمة ستتفاقم مشاكلنا أقول لكم «الشتاء قادم».
أما الكاتبة البريطانية ج.ك رولينغ فقد قارنت ترامب بالمجوسي الأسود فولد مورت في روايتها «هاري بوتر» بل ذهبت إلى أنه أسوأ من فولد مورت شخصية الساحر الشريرة وأضافت: إن هذا الرئيس لديه أفكار عميقة جداً.
الروائية الفرنسية كاترين كوسيت (رشحت لنيل جائزة غونكور لعام 2016) كتبت: إنه انتصار الحقد والعنصرية وكثير من الناس الذين صوتوا لهيلاري كلينتون هم غاضبون ضدها لأنها كان يجب أن تطلق شعار «أنا معكم» كما فعل ترامب لا أن تقول «إنه دوري»، إن انتخاب ترامب لعنة كبرى على النخب وعلى الحكومة.
وإلى صحيفة الفيغارو تحدثت الكاتبة لور ماندفيل (مديرة مكتب الصحيفة في أميركا) بمناسبة صدور كتابها «من هو ترامب حقيقة» الذي بدأت العمل به منذ بداية الحملة الانتخابية ولماذا استطاع المرشح الجمهوري كسب الانتخابات تقول ماندفيل: خلف ترامب الذي نراه بشعره المصبوغ وعباراته السوقية يختبئ ترامب آخر الصعوبة في الأمر أننا لذات الوقت أمام شخصية هزلية وظاهرة أكثر تعقيداً فمن الجانب الهزلي يتصرف بطريقة يثير فيها الإعجاب ويبسط الأشياء وهذا يتماشى مع قرننا الحادي والعشرين الذي يتمتع بالتبسيط في زمن المعلومة الفورية والآلة الإعلامية الشرهة التي تحتاج باستمرار إلى فضائح جديدة، لديه الشهوة للسلطة وحب الذات وبذاءة الحركات والأسلوب وترامب صاحب الصفقات الكبرى الذي كان نجماً تلفزيونياً لامعاً يقدم برنامج «المبتدئ» على محطة NBC لسنوات طويلة يعلم أن السياسة الأميركية الحالية عبارة عن سيرك كبير ضخم وبصرخته الأقوى فقد ضرب ضربته أما وراء صورته كمقدم تلفزيوني فكان يختبئ رجل داهية ماكر فطن قاد إمبراطورية من مليارات الدولارات وشغل عشرات الآلاف من الأشخاص وهذا ليس بالأمر السهل ومن كثيرين ممن يعرفون ترامب عن قرب يؤكدون أن لهذا الرجل عدة أوجه: الشخصية الشعبية، البهرجة الغرور الإفراط وهو شخص لا يعترف أبداً بلحظات ضعف براغماتي يحسن الاستماع للآخرين يفضل دوماً الخيار المتطرف فكل الصعوبات وكل الغموض نجدها في شخصيات ترامب المختلفة وهذا ليس سهلاً في سياق جو شبه هستيري يخيم على النخب الإعلامية والسياسية الأميركية التي توحدت جميعها ضده.
تقول لورماندفيل: وفي كتابي أتحدث عن اختبار أو حالة انفصام تتبدى في الهوة الكبيرة بين مشاعر أنصار ترامب وبين خصومه لأن ترامب شخص لا يمكن فهمه رغم آلاف المقالات التي كتبت عنه له شخصية القائد لكن أيضاً المتمرد فهو من صغره كما روى عن نفسه كان في مدرسته مشاغباً عنيداً يرشق أساتذته بالممحاة ويشد شعر البنات مع أنه كان تلميذاً جيداً وفي سن الثالثة عشرة أرسله والده إلى الأكاديمية العسكرية لتقويمه.
الأميركيون يعرفون ترامب منذ أواسط الثمانينيات التاريخ الذي بدأ فيه نشر مؤلفاته بنجاح وسحب ملايين النسخ فهو كاتب شهير في الولايات المتحدة له 15 مؤلفاً أهم ثلاثة منها «فن الصفقة» و«ترامب البقاء في القمة» و«فكر كملياردير»- الجدير ذكره أن كتب ترامب بعد انتخابه قفزت إلى الصف الأول في المبيعات- وفي نهاية الثمانينيات كانت صورته تغطي غلاف مجلة «التايم» كرجل أكثر إثارة في أميركا وفي تلك الفترة كان أحد الشخصيات الأكثر شعبية في البلاد إلى جانب بعض الرؤساء والبابا إضافة إلى نجاحه الذي حققه كمقدم تلفزيوني حيث جمع نحو 30 مليون مشاهد ومن هنا كانت الفائدة الضخمة للشهرة التي استفاد منها اليوم لكن الذين رأوا فيه «الشخصية الفظة» قالوا لن يستمر طويلاً فهو يهاجم خصومه بعبارات بذيئة مقتحماً مواضيع محرمة.
تقول الكاتبة: أعتقد أن النخب من الجانبين فشلوا في فهم الظاهرة ترامب لأنهم منفصلون عن الشعب واهتماماته على حين ترامب رجل شعبي صحيح أنه ملياردير لكنه مع الشعب ضد النخب واستطاع تجاوز هذا التناقض الكبير لأنه واضح ويعتبر فهمه للنظام قوة كما يقول إنه يعرف جيداً الطريقة التي تشتري فيها اللوبيات السياسيين، ولهذا الملياردير مصداقية عند ناخبيه لأنه لم يشعر يوماً أنه من النخب بل يستهزئ بهم وينعتهم بصفات ساخرة فلا ننسى أن ترامب تربى في ورشات المصانع حيث كان يصطحبه والده وهو صغير ما جعله يحتك بالطبقات الشعبية فهو يتحدث مثلهم تماماً وتتابع الكاتبة: عندما سألت عنه في أنحاء أميركا والتقيت بناخبيه كانوا يعبرون عن دهشتهم به قائلين: «دونالد يتحدث مثلنا ويفكر مثلنا» ومسألة أنه غني ليست عائقاً لأن الأميركيين يحبون الأغنياء والنجاح.
وتتابع الكاتبة: بالنسبة لي ظاهرة ترامب هي لقاء بين رجل خارج المعايير وبين حركة تمرد شعبية عميقة، إنها موجة القعر، لقد تجاوز في فكرته المضادة للمهاجرين كل الغرب. ترامب يتزلج على الموجة ذاتها التي ركبها السياسيون البريطانيون الذين دعموا انفصال بريطانيا كما ماري لوبين في فرنسا، الفرق أن ترامب نسخة أميركية مع كل ما ينطوي عليه ذلك من براغماتية وارتباط بالرأسمالية، ترامب ليس إيديولوجياً. كان لزمن طويل ديمقراطياً قبل أن يصبح جمهورياً وهو ينتهك الحدود السياسية التقليدية للأحزاب فهو يساري في مسألة التبادل الحر والحماية الاجتماعية للفقراء وقضايا المجتمع لكن ترامب بوضوح هو من اليمين بالنسبة لمسائل الهجرة غير الشرعية والحدود والضرائب، إنه تاجر هدفه صفقات جديدة لبلده فهو لم يأت ليغير العالم بعكس أوباما ما يريده وضع أميركا في الصف الأول وحمايتها.
سليقته في السياسة الخارجية تتجه بوضوح إلى الواقعية والحذر لأن ترامب يرى أن الولايات المتحدة ذهبت إلى مغامرات أضعفتها ولم تحل الأزمات فهو لا يريدها شرطياً للعالم لكن بالنظر إلى ما يقوله حول الدور الذي يجب أن تلعبه أميركا للتغلب على تهديد الإسلام الراديكالي كما فعلت مع النازية والشيوعية علينا الحذر والتوقف عند ميوله المتقلبة.

Exit mobile version