Site icon صحيفة الوطن

عزف أمام أم كلثوم … الموسيقار أمين الخيّاط عاشق آلة القانون وعازفها الماهر.. ومن الملحنين الكبار

| عامر فؤاد عامر

يصف الكاتب أحمد المفتي في مدخله للكتاب شيئاً من صفات آلة القانون وأهميتها بين الآلات الموسيقيّة، فهي تحتوي على قرارات وجوابات الأصوات الموسيقيّة جميعها، وهي 24 صوتاً في جهة الوضع أما من حيث التركيب فلكل صوتٍ منها 3 أوتار متساوية تسمى اصطلاحاً وتراً واحداً، يكون أغلظ مما فوقه وأرق مما تحته. استطراداً لوصف آلة القانون يذهب بنا الكاتب إلى مخترع هذه الآلة وهو أبو نصر الفارابي، الذي برع بالفلسفة والموسيقا وعاش بين حلب ودمشق الجزء الأكبر من حياته. وكان هذا هو المدخل الذي مهد به الكاتب «المفتي» ليروي لليافعة مراحل لافتة باختصارٍ مفيد عن أهم المحطات من حياة الملحن الكبير «أمين الخيّاط» الذي أحبّ آلة القانون فرافقته في أيامه منذ الصغر وإلى اليوم، وهي الآلة التي اختارها له والده لأهميتها ولأنها تؤهل من يتمكن من العزف عليها لقيادة أي فرقة موسيقيّة فهي دستور الموسيقا وقانونها.

في المعهد الموسيقي الشرقي
ولد الفنان أمين عبد العزيز الخياط في 21 آب 1936 في دمشق في حي العمارة وقد اعتاد أن يسمع الموسيقا منذ ولادته فالحي الذي تربى فيه بالقرب من الجامع الأموي الذي يصدح بالآذان والأصوات الرخيمة التي تردده، ومن جهةٍ أخرى اعتاد أن يرى أهم الموسيقيين في تلك الفترة يرتادون باحة منزل والده الذي يشجّع ذلك وكان من بين أولئك الموسيقيين: «صابر الصفح»، و«حليم الرومي»، و«محمد مرعي»، و«رفيق شكري»، و«نجيب السراج»، و«محمد عبد الكريم»، و«ميشيل عوض» وغيرهم الذين اعتادوا إقامة الحفلات كلّ يوم خميس. وهكذا اعتاد «أمين» الشاب على طربه للموسيقا وازداد ولعه لتعلّم الموسيقا. وبعد تأسيس المعهد الموسيقي الشرقي في دمشق دخله مباشرةً ليتلقى دروسه هناك. كان «أمين» متفوقاً في المعهد وتعلّم فيه العزف على القانون، وغاص في علوم الموسيقا ونهل الكثير من المقامات العربية وفروعها، وأتقن النوطة الموسيقيّة وتعرّف إلى الموشّح وأجاد التجويد ومخارج الحروف، وتشرب المبادئ وعشقها.

مع أم كلثوم وجهاً لوجه
زارت أم كلثوم دمشق في خمسينيات القرن الماضي، لإحياء حفلتين، وكان «أمين خيّاط» ما يزال طالباً في الصف الرابع في المعهد الموسيقي، وقد كان من ترتيبات الاحتفاء بقدوم كوكب الشرق أن قدّم المعهد الموسيقي حفله الخاص بذلك، وعزف «أمين» حينها على القانون والتقى بالسيدة أم كلثوم وجهاً لوجه، وعزف أمامها بعض التقاسيم، ثم المقدمة الموسيقيّة لأغنية «ذكريات» للملحن رياض السنباطي وكلمات الشاعر أحمد رامي وطربت أم كلثوم لذلك وأثنت على عزفه وهنأته.

مع نجاة الصغيرة
زارت «نجاة الصغيرة» مسقط رأسها دمشق في عام 1954 لأحياء مجموعة من الحفلات وكان من المقرر أن يقود فرقتها عازف القانون «محمد العقاد» وهو أستاذ «أمين خياط» الذي درّسه في المعهد الموسيقي، لكن حدث أن دعي العقاد لسفرٍ مفاجئ فرشّح بديلاً منه «أمين خياط» لقيادة الفرقة. وفوجئت «نجاة» ببراعته وأثنت على ما قدمه من عملٍ جميل على الرغم من اعتراضها عليه في البداية لصغر سنه. انطلق بعدها أمين الخيّاط للعزف مع الفرقة التي يعزف فيها ميشيل عوض وهؤلاء كانوا أساطين العزف في تلك الآونة وهم:عمر النقشبندي، وياسين العاشق، وبدر الدين الحلبية، ويحيى النحاس، وميليكس خوري، وأحمد رعيّة… وغيرهم. وكانت الخطوات الأولى مع الفنانة الكبيرة سعاد محمد.

الاغتراب و«سعاد محمد»
عرضت الفنانة سعاد محمد على أمين الخياط السفر وذلك بعد التجربة معه وما رأت منه من تفوّق وتمكّن في العزف، وفعلاً تمّ السفر ولم يدم سوى عام واحد، ثم عاد من جديد إلى سورية ليعمل في إذاعة حلب مع مديرها «عادل خيّاطة» واشتغلا معاً في تدوين التراث الحلبي الغنائي. ووطد علاقته مع المبدعين هناك، ليبدأ خطوة جديدة في حياته المهنيّة وهي البدء في التلحين فأخذ نصوصاً شعريّة من صديقه «شاكر بريخان»، ومن أبرز ما لحنه «ديالوغ» «تضللي تخطري على بالي» وقد غناه كل من الفنانة «مها الجابري»، والفنان «سمير حلمي» ثم لحن للمطربة «سحر» والمطرب «محمد خيري»، و«محمد مرعي»، و«يولاند أسمر»، و«كنعان وصفي»، وغيرهم. ثم أنشأ فرقة «الأوتار الذهبية» التي ضمّت كبار الملحنين حينها مثل: «إبراهيم جودت»، و«سمير حلمي»، و«عدنان أبو الشامات»، و«محمد عبدو بظن»، وغيرهم. وقد نافست هذه الفرقة أهم الفرق الموسيقيّة في سورية والوطن العربي وتميّزت بما قدّمته، وأصبحت ركناً مهماً يعتمده التلفزيون العربي السوري منذ بداية نشوئه في عام 1960. وبعدها عادت فكرة السفر والاغتراب إلى أوروبا فرحل ليتعرف إلى عالم آخر في الموسيقا وليقدم له عزفه وأنغامه على آلة القانون.

الرحلة
استغرقت الجولة في أوروبا عامين ونصف العام وفي ذلك يقول أمين: «كان هدفي من السفر التعرف إلى ما هو جديد، ولأزيد من معرفتي بموسيقا الغرب ولأقدّم العزف الشرقي في حلّة جديدة قشيبة كي يطرب المجتمعون في أندية الغرب ويتعرفوا إلى حضارة شعوبنا المتميزة».

العودة
عاد إلى أحضان الوطن في عام 1963 مع حصيلة وتجربة كبيرتين، وعلى الفور عاود لم شمل فرقة الأوتار الذهبية التي تعرضت للتشتت، لكنه لم يوفق في ذلك، فظهر بفرقة «الفجر» الجديدة، التي تتألف من هواة جدد للموسيقا، وكان أول أعمال الفرقة برنامج «الأغنية العربية التراثي» مع المخرج «جميل ولاية»، ثم المخرج «عاطف حلوة» في برنامج «أفراح»، وبرنامج «سهرة مع فنان» والمخرج «عادل خيّاطة»، وبرنامج «المنوعات» مع المخرج «بشير مارديني»، وكانت جميع هذه البرامج تقدّم على الهواء مباشرةً. ونجحت الفرقة بتحقيق رصيدها في العمل مع الفنانين: «نور الهدى»، و«نصري شمس الدين»، و«صباح»، و«سميرة توفيق»، و«محمد رشدي»، و«شريفة فاضل»، و«هاني شاكر»، و«محمد الموجي»، وغيرهم.

مع التلحين
كان له نزعة في التلحين من عمر مبكر وقد نمت معه في كل مراحل عمله إلى أن عاد من أوروبا في العام 1965، فألف ولحن موسيقا لعددٍ من المسرحيّات والأغنيات ومنها نذكر مسرحيّة «عرس الدم»، و«حبظلم بظاظا»، و«طرّة ولا نقش». ووضع ألحانه لعدد من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية: «الإمام الغزالي»، و«أبو الصفا»، و«الزيناتي خليفة»، و«زرياب»، و«اغتراب»… وغيرها الكثير. كما طلبت منه إذاعة صوت العرب التلحين لعدد من المطربين في مصر مثل: «شريفة فاضل»، و«مها صبري»، وغيرهن، وتمّ تصنيفه ملحناً من الدرجة الممتازة، كما وضع الكثير من الألحان والمقطوعات الموسيقية، والأغاني الوطنية، وغنى ألحانه أهم الأصوات العربية كصباح فخري ووردة الجزائرية وسميرة توفيق وكروان ومصطفى نصري وفهد بلان وفهد يكن ودريد عواضة وشادي جميل ومحسن غازي وغيرهم، وكذلك من أبناء الجيل الجديد مثل عاصم سكر وكنانة القصير وخلدون حناوي. ولا بدّ من الإشارة إلى أنه تولى العديد من المناصب الإدارية الفنية والوظائف التي من شأنها أن أغنت الخط الموسيقي الثقافي في سورية.

ملاحظة
يذكر أن كتاب «أمين عبد العزيز الخيّاط» صدر ضمن سلسلة «مبدعون» الكتاب الشهري لليافعة الذي تقدمه وزارة الثقافة، الهيئة العامة السوريّة للكتاب.

Exit mobile version