Site icon صحيفة الوطن

تقدم اليمين عالمياً يمهد لحلول شرق أوسطية … فيون بمواجهة لوبين في انتخابات الرئاسة الفرنسية.. وفالس يحذر من «موت» الاشتراكيين

| سامر علي ضاحي

يبدو أن انتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في نيسان وأيار المقبل باتت محصورة بين يمين الوسط واليمين المتطرف وأصبحت أكثر مما مضى متأثرة بالأحداث التي سبقتها ولاسيما الاستفتاء البريطاني في حزيران الماضي الذي جاءت نتيجته لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي كانت متوافقة مع تطلعات اليمين المتطرف في بريطانيا، وكذلك فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب وهو المحسوب على الجناح اليميني في أعين المراقبين الذين كان يعول معظمهم على المرشحة الديمقراطية (اليسارية) هيلاري كلينتون.
وإن حسم مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون ترشيح حزب «الجمهوريين» في مواجهة منافسه الآن جوبيه في الجولة الثانية أمس بعدما أطاح بآمال منافسه الآخر الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في الجولة الأولى يضع فيون في مواجهة مباشرة مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبين، التي طالبت سابقاً بتصويت في بلادها للانسحاب من اتحاد بروكسل على غرار الاستفتاء البريطاني.
ولعل إشارة الاستفهام الأكبر توضع على موقف اليسار الفرنسي حالياً والذي يمثله الرئيس فرانسوا أولاند، حيث يمثل تراجع هذا التيار صورة عن وضع اليسار عامة في أوروبا والعالم، بعدما فقد ثقة ناخبيه به جراء ما جلبه من انهزامات سياسية واقتصادية على شعوبه وافتقاده للإنجازات، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إلى التحذير من أن حزبه «الاشتراكي» يغامر بتعرضه لهزيمة ساحقة في انتخابات الرئاسة العام المقبل.
ورغم أن فالس أبقى احتمال ترشحه للانتخابات مفتوحاً، في حال عدم ترشح أولاند الذي بقي أمامه أسبوعان فقط لحسم أمر الترشح، لكن أياً من اليساريين سيمهد لهزيمة نكراء قد يتعرض لها التيار عموماً في حين تبدو أمامهم فرصة دعم فيون في مواجهة اليمين المتطرف تقليلاً للهزيمة مع ما يمنحه ذلك لهم من الحفاظ على بعض الأوراق في السياسة الفرنسية عموماً ويقيهم من تحذيرات فالس من «موت» الاشتراكيين.
ولعل الصعود المطرد والسريع لتيار اليمين عموماً في العالم واليمين المتطرف خصوصاً لا بد وأنه نتيجة لجملة من المتغيرات الدولية خلقتها أزمات عالمية مختلفة الشدة ولعل الأزمة السورية كانت من بينها إن لم يكن الأكثر أهمية فيها، ما يمهد إلى تغيير صورة أوروبا النمطية التي خلقتها مفرزات الحرب العالمية الثانية، إن لم نكن متفائلين ونقول إنها قد تغير بنية النظام الدولي كله، بموازاة صعود القيصر الروسي على سلم ترتيب تلك البنية، وانخراطه أكثر من ذي قبل في أزمات دولية وعلى الأخص أزمات الشرق الأوسط كطرف في أي ترتيب لاحق لأي أزمة وهو الذي زرع قاعدتين عسكريتين في سورية خلال عام واحد من تدخله المباشر في أزمتها.
ومع المفرزات التي خلقتها التحولات السابقة الذكر قد نشهد إعادة هيكلة للعلاقات الأوروبية البينية ما يفضي إلى تراجع دور الاتحاد الأوروبي، على حساب التقدم المفرد لدوله سياسياً ناهيك عن التبعات الاقتصادية للهيكلة الأوروبية الجديدة والتي قد تعيد أوروبا للوراء مقابل تقدم قوى أخرى لاسيما قوى آسيوية كاليابان والهند على سلم الاقتصاد العالمي.
ولكن وفي احتمال مقابل قد نشهد الحفاظ على الاتحاد الأوروبي بهيكله الحالي ولعل ألمانيا باتت اليوم مرشحة فوق العادة لقيادة الدور الأوروبي الجديد في المرحلة المقبلة مع تراجع الدورين الفرنسي والبريطاني، ولا عجب أن يحقق اليمين الألماني تقدماً لافتاً خلال الانتخابات المقبلة، وحتى وإن فازت المستشارة الحالية أنجيلا ميركل بولاية جديدة إلا أن اليمين الألماني من المرجح أن يمسك بزمام السياسة في بلاده خلال العقد المقبل على أبعد تقدير.
ومع الصعود اليميني أميركياً وأوروبياً قد نشهد جبهة توافق عالمية تكون فيها أوروبا صلة ارتباط بين القطب الأميركي القابع على زعامة النظام العالمي والقطب الروسي الراغب بدور أكبر وبالتالي انعكاس هذا التوافق الدولي إيجابياً على حل أزمات سورية والقرم وأزمة الناتو مع روسيا وأزمة تركيا وأوروبا وأزمة شرق آسيا الاقتصادية والأزمة الاقتصادية بين الغرب والصين أيضاً.
ولا بد من التذكير بأن هذا الصعود استطاع تحقيق ذاته رغم كل المخاوف التي زرعت سابقاً في نفوس الناخبين من كل شيء «يميني»، لكن شعور الناخب العالمي بإفلاس سياسيي اليسار المعتدلين منهم والمتطرفين أيضاً دفعهم إلى خيارين الأول الانجرار خلف اليمين والثاني هو الاندفاع لتجريب اليمين دون الولاء له بالمطلق.
إن دول الشرق الوسط التي لم تعش الحالة الليبرالية ولم تجربها على النمط الغربي لا تزال تعيش في أحضان أفكار «الدولة الوطنية» و«الأمة القومية»، وتغريها مصطلحات «السيادة» و«نبذ التدخل الخارجي»، وهي أفكار لطالما دعمها اليمين، وبالتالي فهي ترحب أشد الترحيب بالتحول الدولي المتأتي، ما يعطي الطرف الغربي فرصة لأن تثق به تلك الدول وبدرجات مختلفة في أي عملية يقودها في الشرق الأوسط الذي يرزح تحت ملفات متراكمة من الأزمات سواء الصراع العربي الصهيوني أو الإرهاب أو الأزمة السورية أو الربيع العربي أو حتى الواقع الاقتصادي بما جلبه اقتصاد السوق الحر على الشرق الأوسط من اهتزازات.
تبقى هناك بعض المخاوف المتأتية من المتضررين فعلياً من أي حالة توافق عالمية وأهمهم مجمعات الصناعات العسكرية الأبرز في العالم، وهؤلاء على اليمينيين أن يثبتوا نجاعتهم في السلطة السياسية لكبح جموحاتهم التعطيلية.

Exit mobile version