Site icon صحيفة الوطن

الحنين إلى الأرض

| د. اسكندر لوقا

الاغتراب، من حيث المبدأ، واقع تعيش تبعاته بلدان العالم كله على وجه التقريب، ويكاد لا يخلو بيت من مغترب اختار الهجرة سبيلاً خاصاً من قضية تؤرقه ولا يجد لها حلاً، وخصوصاً في البلاد العربية التي كانت قد أخضعت للاستعمار، في القرنين الماضيين ومنها سورية في العهدين العثماني والفرنسي.
وفي اعتقادي أن أحداً من هؤلاء المغتربين استطاع أن ينسلخ كلياً عن مسقط رأسه وعن تاريخ وطنه وجغرافيته، سواء أكان اغترابه طوعاً أم قسراً تحت ظروف القهر والظلم والمداهمة وسوى ذلك من أسباب شتى.
إن مسألة الانسلاخ عن الوطن لم تنقلب يوماً إلى معادلة دائمة في حياة المغترب، لأن نداء الأرض يبقى في أذنيه مهما طال زمن اغترابه ومهما بعد عن وطنه وتحديداً عن مسقط رأسه، كما أصداء نبض القلب تبقى حية في شرايينه ما دام حياً.
من هنا يبقى الاغتراب، وسيبقى دائماً حالة مؤقتة في أغلب الأحيان، وتزامناً مع سنوات عمر الاغتراب وعمر المغترب، لأن الاغتراب، بحد ذاته، واقع يخالف طبيعة الحياة، تلك التي تؤكد ارتباط المرء، تلقائياً، بل حتى غريزياً، بمسقط الرأس، بالأرض، بالوطن، كما ارتباط جذع الشجرة بترابها، وكما جريان النسغ في أغصانها.
وكثيراً ما نقرأ في كتب التاريخ عن شجون بثها المغتربون عما يكابدون من ألم لا من حزن فقط، وخصوصاً مع تقدم العمر، وشعور المغترب بالحنين إلى سنوات كان قد عاشها بين أهله وأترابه، إلى حين جاءت ساعة رحيله، فأمضى في بلد اغترابه سنوات لم يكن يشعر فيها بالحنين لاعتبارات تتعلق بمشاغله حيث هو في الغربة بحثاً عن سبل العيش الكريم والحرية.
في هذه الحالة، من الطبيعي أن يشعر المغترب بغربته الحقيقية، ويبدأ يسأل نفسه: لماذا؟ وإلى متى؟ وسوى ذلك من أسئلة لا بد أن يجد لها جواباً في خضم الحالة التي ألزمته الهجرة، وبات غير قادر على العودة إلى الوراء.
هنا ينصح المغترب، وخصوصاً بلسان أدباء المهجر بألا يفقدوا الأمل بالعودة في أي وقت كان وتحت أي ظرف كان، وأن يُبقوا الوطن في نفوسهم وإن هم قد غادروه.
هنا أذكر كلاماً لقداسة البابا فرنسيس قرأته ذات يوم وفيه قوله: لا تتركوا شعلة الأمل تنطفئ في نفوسكم.
وأنا أعيد هذا النصح مذكراً به كل مقيم في وطننا الحبيب وكل من غادره لسبب من الأسباب.
وأما الكاتب السوري لوقيانوس (125- 180) فنقرأ له: ليس أقوى من شعور الحزن عند الإنسان حين يحن إلى بيته البعيد عنه، كما الرضيع يحن إلى صدر أمه ليشعر بالدفء.

Exit mobile version