Site icon صحيفة الوطن

أعتذر من هذا الجيل

| حسن م.يوسف 

من المفارقات المتجددة على مر الأجيال، أن كل جيل ينظر باستخفاف إلى الجيل الذي يليه فقد سمعت غير مرة العديد من أبناء الجيل الذي سبقنا وهم يتهكمون علينا ويصفوننا بأننا: «جيل آخر زمن»، وقد أدى فنان الشعب القدير رفيق السبيعي، الذي أتمنى له الصحة وطول العمر، أغنية، تَهَكَّم فيها علينا، شاعت كثيراً في شبابنا، قال فيها: «شرم برم كعب الفنجان «يا حَضَمْضَمْ مَلاَّ شبان، مدري شباب مدري نسوان، شرم برم كعب الفنجان»! والحق أن جيلنا ليس استثناء، في هذا الأمر، إذ لا يمر يوم إلا وأسمع فيه واحداً أو أكثر من أبناء جيلنا وهم يتهكمون على أبناء الجيل الذي تلانا!
ونظراً لأنني أرفض الظلم، أياً كان مصدره، وأومن أن مرتعه وخيم، أجد أن النزاهة تقتضي أن أعتذر من أبناء الجيل الحالي عن الإهانات التي يوجهها أبناء جيلي إليهم، ولدي عدة أسباب جوهرية تجعل هذا الاعتذار واجباً علينا وحقاً لهم. السبب الأول هو أن أبناء الجيل الجديد يشكلون القسم الأكبر من القوى الحية التي تدافع عن سورية في هذه الحرب المجرمة التي تشنها قوى الهيمنة العالمية المتحالفة مع الفاشية الظلامية.
السبب الثاني هو أن معظم المشاكل والتحديات التي يعانيها هذا الجيل ليست ناجمة عن تقصير بناته وأبنائه في أداء واجباتهم الوطنية، فالجيل الحالي ورث أهم مشاكله عن جيلنا والأجيال التي سبقتنا، وسبب الانفجار الذي نعيشه الآن هو إخفاق جيلنا في حسم معاركه وترحيل مشاكله للأجيال التالية، ما أوصل المجتمع إلى حالة الاستعصاء الراهنة. ينبغي على جيلنا أن يعترف بمسؤوليته عما جرى ويجري، وأن يرفع الظلم عن الجيل الحالي وأن يبرئه من الكارثة التي نعيشها، لأنه ليس المسبب لها بل هو أبرز ضحاياها.
أحسب أن معظم أبناء جيلنا والأجيال التي سبقتنا كانت تنظر إلى الوطن كما لو أنه مجرد خيار بين خيارات عديدة، وهذه المقاربة التي تنظر إلى الوطن كنجم يدور في فلك الأنا، قديمة في التاريخ، فالمؤلف المسرحي اليوناني الساخر أريستوفانيس (446- 386 ق.م) الذي مات قبل أكثر من ألفين وأربعمئة عام كان يرى أن «الوطن هو حيث يكون المرء بخير». وهذه الصيغة تعفي المواطن من بناء وطنه والدفاع عنه والبقاء فيه إن لم يكن الوطن يقدم له الرفاهية التي يطمح إليها. ويؤسفني القول إن هذه المقاربة لا تزال شائعة في أوساط أكبر مثقفينا ومبدعينا، فقبل فترة قرأت فكرة للشاعر الكبير أدونيس لا تختلف كثيراً عن مقولة أريستوفانيس. يقول أدونيس: «أيها الوطن ارفع سقفك كي أستطيع تحته أن أرفع رأسي».
لا شك أنني مع حق كل مواطن في أن يرفع رأسه تحت سقف وطنه، لكننا نحن العرب كنا ولا نزال نتعامل مع هذا الحق كما لو أنه قابل لأن يمنح من الوطن للمواطنين، جاهلين أو متجاهلين أن الوطن مفهوم مجرد يجسده مجموع بناته وأبنائه. وهذا يضعنا أمام حقيقة أنه ما من وطن في التاريخ رفع سقفه لمواطنيه من تلقاء نفسه كي يستطيعوا رفع رؤوسهم تحته، وكل وطن نجح في تحقيق هذه الهدف النبيل فعل ذلك بسواعد أبنائه!
إن كل الأوطان التي تستطيع أن تباهي بسقفها العالي وتمكينها لمواطنيها من رفع رؤوسهم تحت ذلك السقف، تدرك جيداً أن الأمر لم يكن منحة من آخر، بل منحة من المواطنين لأنفسهم، فكل المواطنين الذين يرفعون رؤوسهم تحت سقوف أوطانهم، أمضوا أوقاتاً طويلة مطرقي الرؤوس محنيي الظهور وهم يعملون لرفع سقف الوطن كي يتمكن أبناؤهم من رفع رؤوسهم تحته.
إن الوطن هو مسؤولية جميع المواطنين، كما أن كل مواطن هو مسؤولية الوطن. فنيل حقوقنا من وطننا مرهون بقيامنا بواجباتنا تجاهه. ونظراً لأن جيلنا لم ينجح في إنجاز المهام التي ألقاها الوطن على عاتقه فأنا أعتذر من بنات وأبناء هذا الجيل.

Exit mobile version