Site icon صحيفة الوطن

الغدر المحدق راحل

| إسماعيل مروة 

أرقب شام عندما يعصف بها الألم، ينداح الألم في جنباتها، تعجز عن القول والبوح ولو بعبارة، تتوقف عن سيل أمنياتها لابنها لا لها، فشام لا أمنيات لها، هي الأمنية، وهي التي يجن بها عابدها، وتقول له: أجنّ بك…! يا لروعتها عندما تنثال أمنياتها من أعلى الأعالي، ومن قمة سابقها، لتصل إلى قعر عميق في سابعة أخرى لتنعش ما تبقى من روح وذاكرة…
يعصف بها الألم وهي ترى كارهيها يجلسون على الأرائك، يغمسون شهواتهم بدمها، وهي ترقب من بعيد، تدرك أنها بنفخة واحدة تعصف بهم، لكنها تتركهم ينغمسون في دمها أكثر، وفي محاولة تلويث طهرها ومائها وبرداها! يصعدون قاسيونها، يتباهون عليها بها، يحاولون قضم ما تبقى منها، وهم يظنون أن ما تبقى قليل، لكنها تعطيهم كل ما في يديها، وهي تسخر لأن ما تبقى كثير، الينابيع الثرة لا تنتهي، ومياهها مهما عبث العابثون لا تلوث.. تتلوى بغنج وعهر على ساحات شام
يتوعد من البعيد لشام ويرغي ويزبد
ولكن طهر شام سيلفظها تلك في أقرب مصرف للصرف، لتذهب مع البقايا الآسنة، حاملة خطاياها وكل الخطايا، لتبقى الشام زينة وطهراً..
وهو لن تنفع حممه التي يطلقها على شام، فلكل طلقة زهرة، ولكل قذيفة وردة، ولكل توعد ابتسامة، وفي ساحاتها يذوب الحقد والكره، وتتعملق شام بغرتها عالياً، عطرها، ياسمينها، جوريها، يعبق بالكون فيحوله إلى قارورة عطر، قد تتعمد بالدم، قد تفوح منها روائح دمار، قد يغطيها الرماد، لكن اسمها، اسم اللـه عليها يخلصها من كل شيء…!
الشيخ رسلان في جانب يحمي ثغرها، يحمل صليب حنانيا والزيتون
والشيح محيي الدين لاذ بها، وصار ملاذاً لها
والصالحون رأوا فيها صلاحاً، فقلبوها إلى حياة للصالحين.
شام محمية الرب، بل حامية الكون هي
لا يدلف إليها تعب وإن تهيأ لنا
لا تمل وإن جنّ جنونها أسفاً لضياع ابنها
صدرها سجادة صلاة
رأسها قبة ولي
جسدها صليب روح ونور
عيناها بريق غد قادم، وسيكون الغد أملاً مشرقاً…
منذ بدء الخلق كانت شام، وفي كل يوم ترى الحياة تبدأ غداً
وحدها شام تملك الغد، والكل يلعب الآن باللحظة
وحين تنتهي اللحظة يرحل الجميع وتبقى شام… ومن مثل شام؟
أيتها القديسة والرسولة
أيتها المجدلية وخلودها
أيتها الكل… وما غيرك كل
ارقبي الغد… علمتنا ألا نيئس
أرضعتنا ذات غفلة من زمن نشوة أن نكون على أرضك
أعمارنا تستهلك والعجاف ليست منها
أما أنت فالعجاف تتماهى على حدود لهفتك
على طهارة قداستك
على سمو رسالتك
أنت وحدك لا يفرغ القلم منك
أنت التي لا يجف الحبر عندما ينسكب على أصابع قدميك
لك كان ولو جئنا بمثله مددا
لحسنك كان خلق المثال الذي لا يمكن أن يكون لسواك
شام… الموحّد فيك ازداد توحيداً
وآلى على نفسه أن يسجد على قدميك تقرباً لإله
فامسحي رأس الموحّد فيك
وارفعيه إلى قمتك
وازرعيه حيثما شئت
بك يحيا
ولك ينشد أناشيد العرفان
بين أوليائك… على عتبات مآذنك ونواقيسك
على حدود الوله والقداسة والخلود
لك الغد الذي تصنعينه بنفسك
فازرعي الفرح على مفرق روحك، لغد ليس كما يتخيلون، ليس كما يخططون، ليس كما يرسمون! ليرسموا ما شاؤوا، فالرب عند مشيئتك لا يغير رأياً، ولا يبدل رسماً..
غدك الذي هو أنت
ارسميه بذاتك
العهر راحل لا يقدر أمام طهرك
والغدر المحدق سينتهي لأنك أردت
ارسمي كالأطفال
احلمي كالأطفال
ستمر العاصفة
ستنتصرين على الصقيع
سيتماهى اللهب
ويبقى خلودك سيد الأزمنة
أرسلي لنا.. أخبرينا بالغد
قد لا نراه..
كلنا راحلون
وأنت الغد… يا شام

Exit mobile version