Site icon صحيفة الوطن

«دواعش الداخل»

| علي هاشم

أعادنا السيد الرئيس في حديثه لـ«الوطن»، إلى بدايات الحرب على سورية مستلهما في تناوله للفاسدين ما سبق أن استخدمه في وصف الإرهابيين مطلع الحرب على سورية.
في حزيران 2011، استشرف السيد الرئيس كنه المجموعات الإرهابية الوافدة إلى سورية، وفضح حملة نعوش الحرية بما أخفوه تحت لثامهم، مظلّلين حبل سرّتهم الممتد إلى رحم وهابي عميل للغرب، آنذاك، شبههم بـ(الجراثيم) التي ترفع صوتها في وجه الجسد الضعيف، كأبلغ التوصيفات لداعشيتهم التكفيرية التي قيض لنا اكتشافها في تالي الأيام.
وفي تناوله للشأن المحلي ضمن سياق حديثه لـ«الوطن» نهاية الأسبوع الماضي، استعار السيد الرئيس توصيفه ذاك، لكن هذه المرة، لشرح العلاقة بين الفاسدين وحلفائهم من بعض المسؤولين، وبين جسد الاقتصاد الوطني، ملاقيا في تتالي المترادفات هذا، ما ذهب إليه السوريون لدى تسمية الفاسدين منذ أمد بـ(دواعش الداخل)، ليضاف بذلك إلى قاموسنا الوطني تعريف توافقي جديد: (فاسد/ داعشي/ جرثومة).
بما ذهب إليه من تشبيه، جدد السيد الرئيس حالة التطابق بين كلا فعلي التدعشن والفساد، ووضعهما في سلة واحدة، وعلى الرغم من أن الخوض في تفاصيل ذلك يخضع لاعتبارات شتى، إلا أن ذلك لم يقف أمام مخيلتنا من استكمال المشهدية العارية لمتوالية (داعشي، فاسد) واستلماح التطابق بين ملامحها (الجرثومية) من حيث إيغالهما المتناغم في جسد السوريين: تدعشناً في إمراضه، وفساداً بتسميم صموده، وهذا ليس كل القصة، ففي استعمال وصف (الجراثيم) لجناحي الحرب المتناوبين على جبهاتها، ثمة واقعية بليغة تخرج بوضوح على محاولات قولبتهم في سياق أسطوري من شطارة الممارسة، وإعادة تسميتهم بما هم جديرون به، ففي حالة التكفيريين، شهدناهم بأم العين مجرد جراثيم ما زالت متيمة بالغزو الصحراوي، وكذا الفاسدون أيضاً لدى استغلالهم انشغال المؤسسات الرقابية لغزو الجسد الوطني، ما لا يبقي لهم -كما أقرانهم- وصفاً أدق من «جراثيم».
لحسن الحظ، يقف الواقع إلى صفنا، فغالباً ما نرى -أو نستشبه- بالفاسدين في محيطنا حالما نقيسهم بحالهم ما قبل الحرب، وفي لحظات أخرى، قد نصادف أحدهم مكشوفاً إلى الدرجة التي لا يساور فيها أحد غيره الاعتقاد بأنه خفي أو مستتر.
وبغض النظر عن درجات إدراكهم لذواتهم، فعلى الفاسدين -منذ اليوم- الانصياع لإجماع السوريين (رسمياً وشعبياً) والتعاطي مع أنفسهم كجراثيم فقط: خلال اجتماعاتهم وصالوناتهم.. أمام أولادهم وزوجاتهم.. مع أصدقائهم ممن يقضون وإياهم سهرات التكاذب وسرديات قصص الشرف والنقاء والوطنية، فرغم أننا قد لا نعرفهم جميعاً، ورغم أن المجتمع لا يستطيع القبض عليهم وزجهم في مواقعهم المناسبة، أو صفع ما يتقمصونه من احترام مزيف مبتذل عبر وصفهم الدقيق بما يستحقونه، فهم يعرفون أنفسهم تماماً، ولا يجدر بهم أن يتناسوا ما يعرفونه، أو يفرون منه على صفحة مراياهم.

 

Exit mobile version