Site icon صحيفة الوطن

أول طبيب سوري يُجري عملية قلب مفتوح … د. سامي القباني: من يقل إنه ليس لديه وفيات فهو إما لا يقوم بإجراء العمليات أو أنه يغالط الواقع

| سوسن صيداوي

يقول الشاعر نزار قباني في القصيدة الدمشقية: زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا، وما لقلـبي_إذا أحببـتُ_جـرّاحُ… ودّعنا من كان عملياً مئة بالمئة ولا يملك من الشاعرية شيئاً يذكر، إلا أن المفارقة والغرابة أنه هو من قدّر له أن يكون طبيب القلوب وشافيها بآلته الحديدة الحادة «المشرط»، فبه يجرح القلب كي يداويه. في يوم الأحد السابق توفي رائد طب جراحة القلب المفتوح في سورية الدكتور سامي القباني في مدينته دمشق، التي طالما الشوق كان يشدّه إليها، وحبّه الكبير وإخلاصه لها سعيا إلى أن يكون قدره أيضاً أن يُغمض عينيه وهو تحت سماء شامه، عن عمر ناهز الثمانين عاماً، خلال استعداده ظهر اليوم الذي سبق وفاته لمغادرة المدينة، بعد زيارة قصيرة إليها.
ودّعنا د. القباني بعد أن فتح بمشرطه قلوباً لمرضى أثقلها التعب وأجهدها الأنين والألم والشعور بالاختناق، لكنه ببراعته الطبية وإيمانه بالقدرة المعطاء على مساعدة الآخرين بما أمكنه، ساعدهم ليعود قلبهم إلى نبضه الطبيعي وفق إيقاع يملؤه الأمل والضرورة بالتفكير بالعيش الصحي ما أمكن، لم ينتظر تكريماً، وبالنسبة له كان التكريم الذي قلّده إياه الرئيس الراحل «حافظ الأسد»، بمنحه وسام الاستحقاق، كان مفاجئاً له، رغم أنه أجرى أول عملية قلب مفتوح في سورية، لأن جُلّ تفكيره وهمّه كان فقط في إطلاق وتأسيس مركز خاص بجراحة القلب، ورغم فرحه وسعادته الكبيرين بالتقدير لجهوده فبالنسبة له هذا التكريم ليس له كشخص بقدر ما اعتبره تكريماً للإنسان السوري الذي يفضّل أن يعود إلى بلده ويعمل فيه.
إنجازات طبية قبانيّة
كان أجرى د. القباني في مركز جراحة الطب الذي أسسه، العديد من العمليات الروتينية الشائعة، إضافة إلى عدد من العمليات النادرة وغير الشائعة الحدوث حتى على الصعيد العالمي، أما بالنسبة للإنجازات الطبية التي اقترنت باسمه منها:
– طريقة خاصة في استئصال أورام القلب المخاطية، وهذه الطريقة تسمح باستئصال الورم من دون أن يتفتت وبشكل يمنع حدوث أي نكس عند المريض. وقد قام بتطوير هذه الطريقة خلال وجوده في الولايات المتحدة للتدريب عام 1971.
– أجرى في الولايات المتحدة عملية خاصة في الجراحة الإكليلية، تستخدم وصلات متتابعة للشريان الثدي الباطن.
– منذ عام 1990 أحيا د. القباني طريقةً ابتكرها البروفسور «روس» في بريطانيا عام 1956، التي لم يقم الأخير بتطويرها، هذه الطريقة تتلخص في استبدال دسام تاجي بدسام رئوي يؤخذ من المريض ذاته. في حين الطريقة التي ابتكرها البروفسور «روس» كانت تُستخدم لاستبدال الدسام الأبهري، إلا أن د. القباني أجراها على الدسام التاجي، وهذه العملية رغم أنها معقدة بعض الشيء إلا أنها تعوّض عن استخدام الدسام الصناعي، الذي لا يناسب بعض المرضى بسبب ما يتطلبه من استخدام متواصل للمميعات طوال الحياة.

إنسانية جرّاح
هناك العديد من اللحظات التي تمر على المريض وعلى طبيبه الجراح وخاصة عندما يكون الاثنان أمام مواجهة عمل جراحي معقد ونسبة نجاحة احتمالية بسبب الخطورة التي يكون الوضع الصحي والجسدي مبنياً عليها، وفي النهاية يكون الجرّاح بشراً وله من القوة والحزم، وكذلك هو معرض مهما كان متمتعاً بالثقة والاجتهاد والخبرة إلى لحظات خيبة وضعف، وحول هذا الموضوع كان تحدّث د. القباني في إحدى لقاءاته «كل جراح قلب معرّض لهذه اللحظات مع مرضاه ولو بنسبة واحد أو اثنين بالمئة، ومن يقل إنه ليس لديه وفيات فهو إما لا يقوم بإجراء العمليات أو أنه يغالط الواقع. والمرضى الذين يتعرضون للوفاة عادةً ما يكونون في الأساس ممن يعانون مرضاً قلبياً متأزماً أو وظيفة قلبية سيئة، ونحن حين نجري عمليات خطيرة فإننا نشرح للمريض مسبقاً أن هذه العملية ستكون نسبة نجاحها قليلة بسبب خطورتها العالية، وإذا لم يكن هناك أمام المريض حلٌ آخر نتوكل على اللـه ونبذل أقصى جهدنا ونجري العملية. لكن إذا انتهت العملية بالوفاة فإننا نشعر أننا خسرنا المعركة وهذه اللحظات هي حقيقةً من أسوأ وأصعب المواقف التي يمر بها الجراح ذو العاطفة والحساسية. يمكن مثلاً أن أكون قد أجريت مئة عملية ممتازة وناجحة ثم تأتي عملية من هذا النوع فتنسيني نجاح مئة العملية السابقة.. باختصار هذه اللحظات ليست صعبةً فقط على أهل المريض بل هي بالصعوبة نفسها على الطبيب.

مجلة طبيبك
هناك مقولة «الولد سرّ أبيه»، وفي مجلة «طبيبك» وكما ذكرنا الأب د. صبري القباني هو المؤسس للمجلة، في حين الابن هو من استمر في المسيرة، طبعا يختلف الأسلوب، ولو كان الدم ومصدر المورثات واحداً حتى إنّ المتابعين من القرّاء كان منهم من يفضّل طابع المجلة في عهد الأب، ربما وبنظرهم لأن روحه كانت مرحة أكثر من الابن، كما أنه تميّز بجرأته ومعروف عنه بأنه يمتلك قلماً سلساً، ويكاد يكتب تلقائياً بمجرد أن يُوضع القلم على الورقة، في حين الابن د. سامي القباني كان يجد نفسه جدياً أكثر من اللزوم وينتقي المواضيع بدقة بعد دراسة وتحليل طويلين، ومتابعة العمل في المجلة أثرت في حياته لأنه جعلته معتاداً الالتزام بساعات من العمل، كان أغلبها خلال ساعات الليل، وجاءت مثابرته على العمل الصحفي في حياته لأنه يمتلك قناعة تامة بضرورة الإعلام الطبي، الذي بنظره لابد أن ينتشر ليس فقط عبر الشكل المطبوع كالجرائد والمجلات، بل أيضاً من خلال التلفزيون والإنترنت.

سامي القباني وسوريته
ليس من الهيّن أن يهجر المرء كل المغريات وكل الأمور المريحة في الروتين الحياتي في المغترب، فقط من أجل التمتّع بالحياة في الوطن، وكيف الحال إذا كان الأمر مع طبيب جرّاح مجتهد وخلاق، ويأتيه الكثير من العروض بمبالغها وإغراءتها، هذا أمر مطروق لكل من هو ناجح وبشكل خاص تعرض له الدكتور سامي القباني، والذي اكتفى بالعودة إلى الوطن سورية كي يكون مؤسساً ومحدثاً لتغيير سيفيد الآلاف من المواطنين السوريين، الذي اعتبر أن الشخص الذي يقرر العودة إلى الوطن تكون أولوياته مختلفة، من حيث تقديم شيء جديد لمجتمعه أو تربية عائلته في جو أفضل من حيث التراث والقيم، مشدداً على فكرة أن موضوع الاختيار بين العودة إلى الوطن والبقاء في الغربة هو موضوع شخصي بامتياز.

في المؤلفات
أصدر دكتور قباني 16 كتاباً طبياً متنوعة المواضيع والعناوين منها نذكر:أنت والروماتيزم، تخلص من آلام الظهر، خواطر من واحة الفكر، تخلص من الصداع، الحساسية، أرضعي طفلك، حافظ على صحة قلبك، ارتفاع ضغط الدم، جلدك حصن جسمك…… إلخ.

سيرة معطاء
يعتبر الدكتور سامي القباني أحد عمالقة طب جراحة القلب والصدر في سورية والوطن العربي، وهو أول طبيب يُجري عملية قلب مفتوح في سورية، كما أنه أسس أول مركز لجراحة القلب في سورية. عمل القباني استشارياً اختصاصياً لجراحة القلب والجراحة العامة وجراحة الصدر، وعضو هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة دمشق، وعضو كلية الجراحين الأميركيين، وعضو كلية اختصاصيي القلب الأميركيين، والرئيس الفخري للرابطة السورية لأمراض وجراحة القلب. وقام بتدريس جراحة القلب المفتوح في جامعة دمشق عام 1969 عقب عودته من الولايات المتحدة الأميركية، حيث أنهى دراساته في الجراحة العامة وجراحة الصدر وجراحة القلب المفتوح.
– حاصل على شهادة «البورد الأميركي» في «جراحة القلب والصدر والأوعية».
– أستاذ جراحة القلب في كلية الطب بدمشق والرئيس الفخري للرابطة السورية لأمراض وجراحة القلب.
– حاصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى تقديراً لجهوده وخدماته ودوره المؤثر في مسيرة تحديث بلده وتطويره.
– أسس وأطلق اختصاصاً طبياً متقدماً لم يكن موجوداً في بلدنا قبله، وهو أول من أجرى عملية القلب المفتوح في «سورية».
– أجرى مئات العمليات الجراحية المعقدة وإليه يعود الفضل في إنقاذ حياة المئات من البشر..

المسيرة المهنية
بدأ د. القباني مسيرته المهنية في قبو مستشفى المواساة، حيث بدأ بتأسيس جراحة القلب المفتوح في سورية بعد عودته من أميركا في عام 1970، وطبعا هذا الأمر استغرق خمس سنوات، وبفضل علاقاته العامة أرسل ممرضتين لدراسة العناية المشددة في الجامعة الأميركية في بيروت، وأيضاً ثلاثة ممرضين لدراسة التنفس الاصطناعي في عمان، التي سبقت دمشق في جراحة القلب بعامين، وفي عام 1971 وصلت المعدات لتبدأ العمليات التجريبية على الكلاب، وبعد التأكد من جهوزية الأمور أجريت أول جراحة قلب مفتوح في سورية، وتلتها سلسلة من العمليات التي أثبتت أن هذا النوع من الإجراءات الجراحية المتقدمة بات ممكناً في سورية، بعدها بدأ العمل في التحضير لمركز مستقل لجراحة القلب في جامعة دمشق، وصدر المرسوم الرئاسي بتأسيس مركز جراحة القلب عام 1975، وباشر رسمياً عام 1976، فالبداية كانت بطيئة، وكان الجراح الراحل يقوم بإجراء عملية واحدة فقط في الأسبوع في بداية عمل المركز، إلا أن العمل سرعان ما تطور بخطوات حثيثة بحيث وصل عدد العمليات السنوية التي يجريها المركز عندما ترك إدارته في العام 2004 إلى أكثر من 1600عملية. كان د. القباني مهتماً جداً بالتوعية الصحية ونشر الثقافة الصحية السليمة في الوطن العربي، الأمر الذي دفعه إلى تولي تحرير مجلة «طبيبك»، التي أسسها والده د. صبري القباني عام 1956 والتي تميزت بإدارته بطابعه الخاص الذي اختلف عن طابع ابنه دكتور سامي، الذي كان يقدم خلالها أحدث المعلومات الصحية والطبية التي تُنشر عالمياً والتي في الوقت نفسه تصلح لثقافتنا وأفكارنا، وكانت تصله باستمرار لأنه مشترك بأكثر من عشرين نشرة ومجلة عالمية، كما كتب الأخير في العديد من المجلات والصحف العربية، وأيضاً تولى تحرير صفحة «الطبيب العربي»، والصفحة الصحية في موقع وجريدة «العربي الجديد». وفي منتصف عام 2015 أشرف د. سامي القباني على تأسيس موقع «صحتك»، الذي أصبح أحد أهم المواقع الطبية المتخصصة التي تقدم المعلومات الصحية باللغة العربية.

Exit mobile version