Site icon صحيفة الوطن

الخط العربي ولد في أحضان القرآن الكريم .. الأبجدية العربية هي لغة الحب التي ولدت عبر تتالي الحضارات في الجامع الأموي

| سوسن صيداوي

الكلمة الطيبة صدقة، وبخطوط حروفها هناك سرّ قوي عاش زمن الحضارات كي يصل إلى تكوين الكلمة، والمساهمة في نشرها والتعبير عنها في حروفها المركّبة التي حكت قصصاً ومشاعر وأفكاراً، شعوب تناقلت الأحرف وطورتها وحدّثتها حتى وصلت إلى شكلها الحالي، وحول رحلة الحروف وأهمية الخط العربي في الحضارة العربية والإسلامية وكيفية اكتساب الموهبة لدى الخطاط وجماليات فن الخط العربي، أقيم في المركز الثقافي العربي ضمن أنشطة مديرية ثقافة دمشق ندوة بإشراف الأستاذ أكسم طلاع وبمشاركة الباحث أحمد المفتي والخطاط عدنان الشيخ عثمان، والفنان التشكيلي محمد غنوم.

رصانة وجمال الخط العربي

شارك الفنان التشكيلي غنوم في الندوة متحدثاً عن نقطتين، الأولى تناولت جماليات الأسلوب الليّن، أما الثانية فتناولت جماليات الخط أو الأسلوب الهندسي، شارحاً جماليات كل منهما، فالخط الهندسي له علاقة بالعمارة والوقار وله علاقة بالصرامة، والخطوط التي تعتمد الزوايا الحادة والخطوط المستقيمة، وأيضاً الأسلوب الليّن تعتمد حروفه على القصبة التي تعزف أجمل الألحان عندما تكون ناياً وهي في الوقت نفسه تخط أجمل الخطوط، قائلا «لو نظرنا إلى الأسلوبين الأساسيين في الخط العربي لوجدنا جماليات متنوعة بينهما، ولا أقول مختلفة، فالنبع واحد، ولكل منهما تشكيلات تنضح جمالية خاصة به، لنتأمل الأسلوب الهندسي أو ما يطلق عليه باليابس أو الجاف أيضا، والذي يضم مختلف أنواع الخطوط الكوفية والهندسية من مربعة وغيرها، فإننا سرعان ما نحسّ بهدوء وسكينة وفي الوقت ذاته صرامة في المقاييس ودقة لافتة، فالأوزان محددة وفقا لميزان عادل بين أطوال الحروف وعرضها، موزعاً المساحات والفراغات بحرص نادر يفرض وقاراً لهذا التوزيع، وقد تسير بعض التكوينات والخطية في هذا الأسلوب نحو معادلات جمالية تخضع لرياضيات بصرية، تجعل العين في حالة ذهول من إعجاز وصبر الخطاط المبدع مضيفاً «قد يقف المشاهد أمام اللوحات الخطية عاجزاً عن قراءة بعضها ولكنه لن يكون كذلك في تذّوق جمالها، وصورها الأخاذة، ولكن بعض خطاطي هذا الأسلوب وجدوا أن التخفيف من الصرامة والدقة والحسابات الرياضية ما هو مستحب، فأدخلوا ليونة بتزيين الحروف والكلمات بأوراق وزهور أبهجت الناظر وأغنت التكوين».

الخط.. بين الموهبة والاكتساب
الموهبة هي الهدية من اللـه التي يخلقها في القلب كي يشتاق ويثابر إلى تحقيق هذا العشق وجعله واقعاً معيشاً، ولكن هذا العشق الذي حباه اللـه لن ينبض ويعيش في القلب إلا إذا ثابر الموهوب على تكبيره وتطويره بكل ما يحيط به من أمور، إذاً الموهبة يمكن للظروف والزمن أن يخمدا شعلتها إلا إذا سعى الموهوب نفسه بكل وجدانه وتصميمه وكل ما يحيط به لصقل هذه المنحة الإلهية كي تتطور وتبقى متّقدة مع مثابرته، هذا ما تحدث عنه الخطاط عدنان الشيخ عثمان، مسلطاً الضوء على أن كلاً من الموهبة والاكتساب مكمل للآخر ولا يقوم أحدهما دون الآخر قائلاً «المعروف أنه في أي مجال وخاصة الخط، يحتاج إلى استعداد فطري، وهو ما زرعة اللـه سبحانه في الإنسان، وهذا الاستعداد الفطري هو الموهبة، والموهبة وحدها لا تكفي فهي تحتاج إلى اكتساب أو الخبرة العملية سواء من خلال الأستاذ المباشر أو من خلال التقليد للنماذج القوية للخطاطين، إذاً الاكتساب يرفد الموهبة فيكتمل العطاء، والعشق في القلب هو الموهبة والمشق في اليد هذا هو التمرين ومشق في العين والملاحظة، فالموضوع ليس ببساطة مسك القلم باليد والمباشرة بالكتابة، بل الخطاط بحاجة للكتابة المراقِبة والدقيقة، هذه الأشياء تجتمع وترفع مستوى الاكتساب وترفع الموهبة إلى أعلى درجة ممكنة، ويمكنني القول: إن الموهبة دون الاكتساب لا تنفع، وطبعا نلاحظ أن هناك خطاطاً ينجح أكثر من خطاط آخر وذلك بسبب الاجتهاد في مرحلة الاكتساب والإخلاص أكثر».

العربية لغة الحب
اعتبر الباحث أحمد المفتي طلاب العمارة والمهندسين هم أساس الحضارة، مضيفاً: إن العمارة هي أُسّ الفن بكل مقاييسه، وبدأ كلامه بالحديث عن قضيتين هما الكتابة والخط، معتبرا أن فن الخط ولد متأخراً، في حين الكتابة ولدت قبل عشرة آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح، مشيراً إلى أن المؤرخين كانوا يظنون أن الخط الهيروغليفي والديموطيقي هو بداية الحضارة ولكن بعد دراسات أثرية لكل علماء الآثار، تبين أن سورية هي مهد الحضارات، وأن الحرف ولد في هذه المنطقة في بلاد الرافدين، قائلاً «الحضارة السومرية بدأت فيها الكتابة، لم يكن الخط الهيروغليفي هو الأول.. هنا بدأت الحضارة في أوغاريت التي أبدعت الأبجدية العربية في ثمانية وعشرين حرفاً، لذلك علماء الآثار أخذوا التاريخ: ما قبل أوغاريت وما بعد أوغاريت»…. متابعا «إنّ هناك علماء في علم الكتابة وتفكيك الكتابة ساهموا في بناء حضارة الكتابة لتسجيل فكر الإنسان خلالها حتى كانت دمشق، دمشق في القرن الثاني عشر قبل ميلاد السيد المسيح، كانت مملكة آرامية، هنا في الجامع الأموي الذي كان معبد الإله حدد، ومن ثم أصبح جوبيتر، بعد ذلك في جزء منه بُنيت كنيسة يوحنا المعمدان، ثم بعد ذلك أصبح الجامع الأموي، في هذا المكان ولدت أيضاً حروفنا أو خطوطنا العربية التي تتألف من ثمانية وعشرين حرفاً، ولا أقول: إنها لغة الضاد وإنما هي لغة الحب.. لأنّ الأبجدية العربية تبتدئ بحرف الحاء والحرف الأخير هو حرف الباء، وبين الحاء والباء تنتظم الحروف العربية، فلغتنا لغة الحب، لذلك نشأت في هذه الفترة الزمنية حضارة الآراميين، وكانت دمشق زعيمة الممالك الآرامية وبدأت الكتابة الآرامية تغزو المشرق والمغرب، حتى إن كلّ اللغات والكتابات التي نشأت سواء في المشرق أم المغرب وفي أوروبا هي من اللغة الآرامية، هذا بخصوص الكتابة، أما بالنسبة إلى الخط العربي فهو لم يكن قبل الإسلام ولم يكن قبل بعثة النبي الكريم، وإنما فن الخط العربي ولد في أحضان القرآن الكريم، وقبل بعثة الرسول الكريم كانت دمشق ترسل الكتابة العربية إلى شبه الجزيرة العربية وتَعلّم أهل مكة من أهل الشام، كتابة الحرف العربي».

Exit mobile version