Site icon صحيفة الوطن

سامي مبيض يعقب على التربية: الرد حضاري ونادر… لكن نقاطاً فيه بحاجة إلى نقاش .. ما من عمل معصوم عن الخطأ… لكن المعلومة التاريخية تؤخذ من مصادر عدة

| سامي مبيض

يوم أمس نشرت جريدة «الوطن» رداً رسمياً من وزارة التربية السورية على مجموعة ملاحظات أوردتها أنا في الصحيفة نفسها بتاريخ 2 شباط 2017 حول كتاب «تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر» لطلاب البكالوريا الأدبي. رد الوزارة مشكور طبعاً وكذلك اعترافهم الصريح بأنهم أخطؤوا في عدة أمور، وهو أمر حضاري ونادر في مجتمعنا، ولكن لا يزال هناك عدة نقاط أريد الإصرار عليها، وهي ليست «بسيطة» كما ورد في نص الوزارة.

1- في ردها عن طريقة كتابة الأسماء باللغة الإنكليزية، تقول الوزارة: «لا نعتقد أن وجهة نظره هي الوحيدة التي يجب أن تعتمد» وتعطي مثالاً كلمة «سان ريمو» بالقول إنها تُكتب على الطريقة الإيطالية Saintrimo. أولاً في الإيطالي تُكتب Sanremo وليس Saintrimo وثانياً منذ متى ونحن في سورية نعطي كلمات مرادفة باللغة الإيطالية؟ ما اللغات الأجنبية المتداولة في المجتمع السوري؟ الإنكليزي والإفرنسي أم الإيطالي؟
ثانياً، إن كتابة الأسماء العربية بالأجنبي أو الأجنبية بالعربي قد تحمل عدة أوجه، هذا الكلام صحيح ولكن هذا لا ينطبق على الأسماء الأجنبية عندما نكتبها بالأجنبي. بالأجنبي أسماء العلم تكتب بحسب مصدرها، ولا توجد عدة طرق لكتابة Jimmy Carter أو Charles de Gaulle أو Adolph Hitler.
ولكن بالأسماء العربية الموضوع مختلف، والمثال: شكري القوتلي بالإنكليزي تكتب بالأشكال التالية: Shukri al-Quwatli، Chokri al-Kowatli، Shukri al-Kuwatli، Shukri al-Kuwatly
ولكنها بالعربي تكتب بطريقة واحدة فقط «شكري القوتلي». أما الأسماء الأجنبية فمن المستحيل المطلق وغير قابل للنقاش أن نُعدل اسم عائلة Ponsot لتصبح Boncu ونقول إن الكتابة الإنكليزية مدارس مختلفة، أو أن يتغير اسم Glubb ليصبح Globe. اقترح عليكم إسقاط الأسماء الأجنبية فوراً أو تعديلها لأن الإصرار عليها بهذا الشكل أمر مخجل ومُعيب.
2- تستشهد الوزارة بالموسوعة العربية الصادرة عن رئاسة الجمهورية بالقول إن المؤتمر السوري العام عقد في 7 آذار وليس 8 آذار 1920. مرة أخرى الموضوع لا يتحمل وجهتي نظر: المؤتمر عقد يومي 6-7 آذار وصدرت مقرراته يوم 8 آذار وأصبح ذلك اليوم عيداً وطنياً لسورية عرف باسم «عيد الاستقلال» وهو مُختلف عن 17 نيسان 1946 المعروف «بعيد الجلاء»، وبالمناسبة، الموسوعة العربية عمل مهم، وكنت من المشاركين فيه عن طريق الأستاذ الدكتور عزيز شكري رحمه الله، ولكن العمل ليس معصوماً عن الخطأ، ولا يجب أخذ أي معلومة منه أو من غيره دون الرجوع إلى عدة مصادر، وهذا من أساسيات البحث العلمي.
3- تصر الوزارة بأن علاء الدين دروبي كان رئيساً لوزراء دمشق وليس لكل سورية، وتتجاهل أن قرار تقسيم سورية إلى دويلات جاء في شهر أيلول عام 1920 وأما الدروبي فقد قُتل في نهاية شهر آب، أي عندما كانت سورية لا تزال موحدة، وتستشهد الوزارة بكتاب واحد فقط صدر عام 2007، وكان بإمكانها العودة إلى مذكرات يوسف الحكيم، أحد وزراء الدروبي، الذي يذكر منصبه بدقة في الصفحة 12 من كتاب «سورية والانتداب الفرنسي» أو إلى مذكرات فارس الخوري، وزير المال في عهد الدروبي، الذي يؤكد المعلومة نفسها في أوراقه (الجزء الثاني) الصفحة 78.
4- الوزارة تُدافع عن نشر صورة عيد الجلاء عام 1946 وبالقول إنها عام 1956 وجاء في الرد: «استخدام الصورة جاء للدلالة الرمزية على الاحتفاء بعيد الجلاء. «يا جماعة الخير، هذا كتاب تاريخ موجه لأجيال وأجيال، وليس بوستاً على موقع «فيسبوك» جلّ من لا يخطئ طبعاً، ولكن الدفاع عن الخطأ بهذا الشكل غريب جداً، فيمكننا إذاً – وهذا المنطق- نشر صورة لقصف دمشق عام 1945 ونقول إنها سنة 1925، والدلالة الرمزية هنا على أنها قصفت؟ أو بإمكاننا نشر صورة لجمال عبد الناصر عام 1952 ونقول إنها قبل وفاته عام 1970، والدلالة الرمزية هنا أنه كان رئيساً لمصر. تحليل الصور القديمة وتحليل عمرها ومضمونها وتوخي الدقة في الشرح قد أصبح علماً بحد ذاته لا يجب الاستخفاف به بهذا الشكل.
5- أخيراً النقاش يُعاد في موضوع المفوض السامي موريس سراي، فقد قلت إنه كان خارج دمشق يوم قصف المدينة عام 1925 والوزارة قالت: «مكان وجوده لا يؤثر في سير الأحداث وصحتها التاريخية». يا سادتي الكرام، لو كان سراي في دمشق موجوداً في قصر العظم، لما قصف الجيش الفرنسي سوق البزورية، ولما دُمر قصر العظم. ولو عثر عليه الثوار لقتلوه أو فاوضوا عليه، ولكن القصة كلها كانت خدعة من سراي نفسه لجلب الثوار إلى داخل حارات الأسواق القديمة. أيضاً لو أردنا الاستفاضة بتسويغ الوزارة، نستطيع القول إن الوحدة السورية المصرية أعلنت من حلب وليس من القاهرة، ولا فرق بينهما لأن مكان إعلانها «لا يؤثر في سير الأحداث وصحتها التاريخية».
تمنيت من وزارة التربية أن ترد بكلمتين فقط وتقول: إنها شكلت لجنة علمية تاريخية لمراجعة الملاحظات، وأن تأخذ وقتاً أطول في الرد، وخاصة أن الروح العلمية في الرد أقرت بصوابية الملاحظات عموماً.

Exit mobile version