Site icon صحيفة الوطن

ابن واصل الحموي في إيطاليا

| د. راتب سكر

برز ابن واصل الحموي (604 – 697هـ)، ( 1208 – 1298م)، واحداً من أبرز القضاة والمثقفين في ربوع العاصي في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، وسرعان ما ذاع صيته عربياً وعالمياً، فتنقل بين أمكنة كثيرة، فقد عاش في مصر زمن الحملة الفرنسية عليها بقيادة الملك لويس التاسع، وشهد المقاومة الباسلة التي واجهتها هذه الحملة حتى انكسارها، وانسحاب ملكها مع الناجين من قواته مخذولين. ثم سافر، وهو في الثالثة والخمسين من عمره، من القاهرة إلى إيطاليا، رئيساً لبعثة دبلوماسية إلى ملك صقلية الإمبراطور منفريد بن فريدريك الثاني، الذي حاور ضيفه العربي في قضايا ثقافية وعلمية متنوعة، ذكرها ابن واصل في كتاباته اللاحقة، ومن ذلك أن الإمبراطور الإيطالي سأل ضيفه ثلاثين سؤالاً في علم البصريات، فلما أعد له أجوبته عنها، ازداد إعجابه به، وبقدراته العلمية والثقافية، وتعززت الصلات بينهما، فألف ابن واصل في مدة إقامته الإيطالية رسالة في المنطق، سماها «الرسالة الأنبروزية» أهداها لمضيفه، ومما كتبه عن رحلته إلى إيطاليا قوله: «فلما وصلت إلى الإمبراطور منفريد المذكور، أكرمني وأقمت عنده في مدينة من مدائن البر الطويل المتصل بالأندلس من مدينة أنبولية، واجتمعت به مراراً ووجدته متميزاً ومحباً للعلوم العقلية، يحفظ عشر مقالات من كتاب أقليدس».
بعد رحلات ابن واصل شرقاً وغرباً، عاد إلى ربوع العاصي يحمل لقب قاضي القضاة في حماة، ويستقبل طلبة العلم ينهلون من معارفه الواسعة المتنوعة، ومن أبرز أولئك الطلبة كان أبو الفداء، إسماعيل بن علي الأيوبي (672-732هـ)، (1273-1331م)، الذي سيغدو مؤلف كتب مهمة، وشخصية إدارية وسياسية وعلمية وثقافية بارزة، وقد كان في الخامسة والعشرين من عمره يوم وفاة أستاذه، فتوسع في الترجمة له في تاريخه، ومما قاله عنه: «ولقد ترددت إليه بحماة مراراً كثيرة، وكنت أعرض عليه ما أحله من أشكال كتاب أقليدس، وأستفيد منه، وكذلك قرأت عليه شرحه لمنظومة ابن الحاجب في العروض..».
مرت في سنة 2008 ذكرى ألف ومئتي سنة على ولادة ابن واصل، وفي السنة القادمة 2018، ستمر ذكرى جديدة على ولادته، ما يمكن رسمه مناسبة لتوسيع دوائر الحوار مع سيرة هذا العلم البارز ومؤلفاته الأدبية والتاريخية والثقافية والفكرية المتنوعة.
تابعت محاضرات أستاذي الأديب محمد عدنان قيطاز عن ابن واصل ومؤلفاته، منذ مرحلة دراستي الثانوية والجامعية، فحملت في صدري الصغير مشاعر وجدانية خاصة راحت ترافق توسعي في نهل المعارف والعلوم على مدارج الحياة، مطلعاً على كتابات متنوعة في هذا المضمار، حتى صار اسما ابن واصل وتلميذه أبي الفداء، من الأسماء الأثيرة لدى قلبي، ترافق غايات القراءة والكتابة على طاولتي الصغيرة.

 

Exit mobile version