Site icon صحيفة الوطن

طموحات ترامب النفطية

| هيثم غانم

بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابه الرئاسي الأول مؤكداً ما سبق أن طرحه خلال حملته الانتخابية: (أميركا أولاً)، وكان قد طرح خلال حملة ترشحه للرئاسة مواضيع عديدة، كان من بينها قضايا اقتصادية وجيوسياسية، أثارت جدلاً واسعاً في أوساط الرأي العام الأميركي والعالمي، الآن، وبعد أن استلم ترامب رئاسة الولايات المتحدة، ماذا ستكون انعكاسات ما طرحه من برامج خلال حملته الانتخابية، إذا تحققت تلك البرامج، وخاصة فيما يتعلق بقضايا النفط والغاز على المسائل الجيوسياسية وعلاقات الولايات المتحدة الخارجية.

في مجال النفط
بدايةً، لنعد سنوات قليلة إلى الوراء، حين شهدت الفترة بين العام 2004 وحتى منتصف العام 2008 ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار النفط الخام، وصلت ذروتها إلى نحو 165 دولار أميركياً للبرميل، تلا ذلك انهيار مفاجئ في الأسعار، والأزمة المالية الحادة في الولايات المتحدة.

حققت الدول المنتجة للنفط، وشركات النفط العالمية فوائض عالية جداً في العائدات، وازدهرت صناعة إنتاج (النفط والغاز الصخري) في الولايات المتحدة، وازداد إنتاجها المحلي من النفط، مع التنويه هنا إلى أن النفط والغاز الصخري يمتازان بأن فترة استرداد التكاليف والاستثمارات قصيرة جداً- نحو أربع سنوات- وعمرها قصير لإنتاج الآبار مقارنة بالنفط التقليدي.
تشير المصادر إلى أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة ارتفع من 5.6 ملايين برميل يومياً في العام 2011 إلى 9.4 ملايين برميل يومياً في عام 2015، ويتوقع أن يبلغ وسطي الإنتاج في عام 2016 نحو 8.8 ملايين برميل يومياً- ونذكر أن استهلاك الولايات المتحدة يبلغ ربع الإنتاج العالمي من النفط، أي حوالى 25 مليون برميل يومياً. وتشير الدراسات إلى وجود الكثير من التوضعات الحاملة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، حددت على خريطة التشقيق الهيدروليكي في ولايات أوكلاهوما وشمال داكوتا وتكساس، ومن المعروف أن التشقيق الهيدروليكي والحفر الأفقي هما من وضعا الولايات المتحدة على مسار تحقيق أمن الطاقة الذي تسعى إليه بخطى ثابتة، إلا أن عملية التشقيق الهيدروليكي ما زالت عالية التكاليف على الرغم من التقدم التكنولوجي وزيادة عدد الآبار، وبالتالي، فإن هذه العمليات ستكون غير مجدية- اقتصادياً- في ضوء أسعار النفط الحالية المنخفضة، ما سيؤدي إلى تراجع إنتاج النفط الصخري.
في مواجهة ذلك، يؤدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب التوسع بعمليات الحفر والتنقيب عن النفط، وقد ينهي الحظر على الحفر في ولاية آلاسكا، ما يسهل عمليات الاستكشاف والتنقيب في منطقة الجرف القاري الجنوبي الشرقي، كذلك سيسعى لإعادة فتح أراض فيدرالية لتنفيذ عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط. كذلك يشمل برنامج ترامب إنشاء خط أنابيب Ley rotone XL، وهو المرحلة الرابعة من مشروع Keystone الذي بدأ في عام 2005. وسينقل هذا الخط عند إنجازه 830 ألف برميل نفط يومياً من ألبرتا في كندا إلى نبراسكا.
يسعى ترامب إلى إغراق السوق الأميركية بنفط رخيص – نسبياً- وقريب من الولايات المتحدة، وسيكون ذلك خبراً سعيداً لمصافي النفط في الولايات المتحدة، التي أنفقت استثمارات كبيرة في بنائها (وهي أموال قديمة- اقتصادياً)، لكنه لن يفرح الشركات المنتجة، التي تستثمر أموالاً جديدة، إلا أن ترامب يرى ذلك أكثر فعالية في إدارة الاقتصاد.
من ناحية أخرى، فإن سعي إدارة ترامب الجديدة، كما كان ذلك سعي إدارة أوباما، هو تحقيق الاكتفاء الذاتي بمصادر النفط وربما الوصول بالولايات المتحدة مستقبلاً لتكون دولة مصدرة، والوصول إلى الاستقلال عن الاعتماد على النفط المستورد وخاصة من منطقة الخليج. وقد تحدث دونالد ترامب عدة مرات خلال حملته الانتخابية عن تأثيرات الشرق الأوسط (دول الخليج، والسعودية بشكل خاص) على السياسة الأميركية، والرشاوى المقدمة لسياسيين أميركيين، وقد سبق أن نشرت في سنوات ماضية مقالات صحفية وكتب عديدة لكتاب أميركيين حول هذا الموضوع، وتناولت أسماء سياسيين كبار، منهم مثلاً هنري كيسنجر وبريجنسكي وبيل كلينتون… وتوني بلير. ولعل فضيحة صفقة اليمامة ما زالت تزكم الأنوف. كي يستطيع دونالد ترامب تحقيق وعده بالحد من تأثير المال النفطي الخليجي- السعودي على القرارات السياسية في واشنطن العاصمة، على الولايات المتحدة أن تتحرر أولاً من الاعتماد على استيراد النفط من السعودية، ولنر بعد ذلك تأثيرها على العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
إذا حققت توجهات الرئيس المنتخب ترامب زيادة في الإنتاج المحلي من النفط، من خلال فتح مناطق جديدة للتنقيب والتطوير، فقد يؤدي ذلك إلى الحفاظ على أسعار منخفضة للنفط الخام.

في مجال النفط والغاز شرق المتوسط
لم يكن اختيار ترامب لرجل قادم من الصناعة النفطية «ريكس تيليرسن» وزيراً للخارجية، سابقة في الإدارة الأميركية. ونذكر أن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش كانت بأغلبيتها آتية من الصناعة النفطية «ديك تشيني وكونداليزا رايس وجورج دبليو بوش نفسه». لكن التوجه الذي طرحه ترامب في شعاره «أميركا أولاً» والظروف والمتغيرات الدولية التي طرأت على العالم في السنوات الأخيرة، والوضع الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة، يرسم ملامح علاقات جيوسياسية جديدة في العالم.
فيما يخص منطقة شرق المتوسط، نشير بداية إلى ما ذكره بعض المحللين أن من أسباب شن الحرب على سورية (نذكر أن قطر طرحت مشروعاً لنقل الغاز إلى ميناء العقبة الأردني في بداية القرن الحالي، تنفذه شركة «أنرون» الأميركية، لم ير المشروع النور بسبب انهيار شركة «أنرون» ورفض السعودية للمشروع حينها) دعم سورية إنشاء خط لنقل الغاز من إيران إلى العراق ثم سورية نحو أوروبا، ما أثار غضب تركيا وقطر، ووقوفهما إلى جانب دعم وتسليم وتدريب وتسهيل عبور المقاتلين إلى سورية كذلك، فإن مشروع خط نقل الغاز القطري يزاحم مشاريع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا ويؤثر على دورها كمورد للغاز الطبيعي.
نشير إلى أن كمية الغاز الذي وردته شركة «غاز بروم» الروسية إلى أوروبا شكلت ثلث كمية الغاز المستهلك فيها، وتسعى روسيا للحفاظ على حصتها في السوق الأوروبية.
والسؤال، ما احتمالات تغيير المواقف تجاه هذه المشاريع في ضوء التغيرات المتوقعة في المواقف السياسية في العالم، وفي شرق المتوسط؟
بالنسبة لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، فإن دفء العلاقة التي بدأت بين الرئيس الروسي بوتين والرئيس الأميركي المنتخب ترامب من جهة، سوف يزيل العوائق التي كانت تقف في وجه خط روسيا- تركيا لنقل الغاز عبر البحر الأسود، وتخطي أوكرانيا كنقطة عبور.
أما بالنسبة لنقل الغاز، وربما أيضاً النفط، بين إيران والعراق إلى سورية، فسوف نعرض أولاً المعلومات التالية: تحتل إيران المرتبة الثانية بين دول العالم، من حيث الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي، والذي يقدر بكمية 33.6 تريليون متر مكعب، ويشكل احتياطي الحقول البحرية الواقعة في الخليج نسبة 67 بالمئة من هذا الاحتياطي (منها حتى جنوب بارس وشمال بارس) لا تستثمر إيران حالياً سوى جزء ضئيل نسبياً من هذا الاحتياطي وتحتاج إلى توسيع عمليات التطوير والاستثمار، وإلى أسواق لتصدير الغاز المنتج أي إلى استثمارات مالية كبيرة لتحقيق هذه الفعاليات، وبرنامج زمني طويل نسبياً، أما العراق فيحتل المرتبة السابعة في العالم، إذ تقدر كمية الاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي بـ6.4 تريليونات متر مكعب، والعراق يحتاج أيضاً إلى استثمارات مالية كبيرة لاستكمال عمليات التنقيب والتطوير وإنتاج الغاز وتسويق الغاز المنتج، إذ إن كمية الغاز المستهلك في السوق الداخلية حالياً تكاد لا تذكر.
إن البيئة التي يجب توافرها لتحقيق بناء خطوط لنقل النفط والغاز بين دول متجاورة والركيزة التي تستند إليها هذه المشاريع هي توافر الأمن والاستقرار في تلك الدول: (المنتجة، ودول العبور، والسوق المستهلكة) وهذه الخطوط بدورها تساهم بشكل فعال في استمرار حالة الأمن والاستقرار من خلال تحقيق المصالح المشتركة بين تلك الدول.
تشكل منطقة شرق المتوسط: إيران- العراق- سورية- لبنان- الأردن ومصر سوقاً اقتصادية مشتركة واعدة، سواء من ناحية موقعها الجغرافي أم من ناحية حاجتها إلى مصادر الطاقة لتطوير وتنمية مجتمعاتها، وتحقيق مصالح تلك الدول المتجاورة، وبناء نظام لنقل الغاز، وآخر لنقل النفط، وإقامة مصفاة للتكرير وإنتاج المشتقات في شرق المتوسط- سورية مثلاً، تغطي حاجة أسواق تلك الدول وتصدر الفائض منها إلى أوروبا، لا يشكل منافسة أو مزاحمة لمنتجين آخرين، بل سيساهم في تطوير اقتصاد تلك الدول وتنمية مجتمعاتها وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام.

Exit mobile version