Site icon صحيفة الوطن

«بانتظار الياسمين» تغريبة سوريّة مستوحاة من روح الأزمة…مشهد سوري حقيقي وثائقي كلّف الكثير من الوقت والجهد

عامر فؤاد عامر : 

يعدّ مسلسل بانتظار الياسمين؛ المسلسل الأول لهذا العام من حيث توثيق الأحداث، وإعطاء صورة تقارب الحقيقة، انعكاساً لما جرى على الأرض السوريّة من أحداثٍ عانى منها الناس، ووصولاً إلى ظروف اجتماعيّة مريرة، ومن دون التطرّق للحدث السياسي، ومعالجته، بل فقط الصورة كانت تنتقل بين مجموعة من الناس اشتركت في بقعة من الأرض لتعيش مُشترِكةً في همٍّ وظرفٍ واحدٍ، ونعني بذلك– كما تبين من قصّة المسلسل– أن شرائح مختلفة من جميع المناطق في سورية، ضمن حديقة لجؤوا إليها بعد الهروب، والتهجير من بيوتهم، التي كانوا يقطنونها بأمانٍ سابقاً. ويمكن وضعه في المقدمة من حيث صفة التوثيق الاجتماعيّة مقارنة بكل الأعمال لهذا الموسم التي حاولت تغطية جزء من الأزمة السورية والحرب عليها إلا أنها تناولتها بطريقة أميل إلى السطحية والقشور الخارجيّة، ومن دون أن نذكر أسماء تلك المسلسلات لأنها جاءت بقياسات فضفاضة وغير واعية بالمقارنة مع «بانتظار الياسمين».

في طقسٍ استثنائي

تمّ تصوير «بانتظار الياسمين» في أقسى الظروف المُناخيّة، والجميع يعلم بأن الطقس الذي مرّت به دمشق بين شهري كانون الثاني، وشباط، كان طقساً استثنائيّاً في كميّة الصقيع، والثلوج المتراكمة، وغيرها من العوامل الجويّة التي لم تصبها بهذه القسوة منذ أكثر من عشر سنوات، وبالرغم من ذلك كانت عمليّات التصوير قائمة على قدمٍ وساق، وما نجده في مشاهد العمل من قطرات مياه منهمرة ببطء، ومن لون أبيض، أو من انعكاساتٍ للماء في ألوان الحديقة؛ ليست من مؤثرات العمليّات الفنيّة، بل كانت طبيعيّة وثّقت معاناة الكادر الفني، والممثلين، وفريق الإخراج، إضافة للهمّ الذي حمله هذا المسلسل، الذي يقدّم صورة مهمّة عمّا حدث لسورية، والسوريين، في أربع سنواتٍ مرّت من تاريخنا، وهذا يُكسب العمل صورةً مختلفة ضمن حاملٍ زمنيٍّ مختلف.

طريق صعب لنتيجة دقيقة
كيف اشتُغل هذا المشروع؟ وما سبل التهيئة التي كانت موجودة قبل أن يصبح مسلسلاً دراميّاً؟ وعن التعب، والاجتهاد أثناء عمليات التصوير؟ يجيبنا عن جملة هذه الاستفسارات مخرج «بانتظار الياسمين» «سمير حسين» فيقول: «هناك سنة كاملة من صناعة هذا العمل؛ فالموضوع الذي يعالجه» بانتظار الياسمين «هو موضوع حسّاس جداً، وما يحصل في سورية مهمّ جداً، وحتى نصل هذه اللحظة يجب أن يكون لدينا ارتقاء حقيقي في الخطوة لنقارب جلال هذه اللحظة، فـ90% من الأسر السوريّة تأثروا بطريقةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، وبالتالي علينا احترام هذه الأسر، وأنّ نحترم صدمة ما حدث، والنصّ أخذ وقتاً طويلاً حتى أُنجز، والعمل يتصدّى بكلّ شجاعة لما حدث مع هذه الأسر في موضوعاتٍ راهنةٍ، أمّا الوصول إلى الشكل والقيمة الفنيّة فكان بمنتهى المسؤوليّة، والدراسة الشديدة للصورة التي سيظهر بها العمل، فنحن أمام حالة واقعيّة، والتركيبة المشهديّة لمسلسل «بانتظار الياسمين» هي لصيقة باللحظة، ولما رأيناه في العين، وما شاهدناه عبر هذه السنوات الأخيرة، في لحظةٍ من اللحظات، فالشخصيّات في المسلسل هي ابنة هذه المرحلة، وهذا الواقع الحقيقي، بمعنى من المعاني: هو مقاربة وثائقيّة دراميّة، من حيث الشكل للحدث والشخوص، بالتالي استلهمنا من الواقع وأعدنا صياغته، فالواقعيّة سوريّة بالمطلق، وأقول: هو مشهد سوري، حقيقي، وثائقي، كلّفني كثيراً من الوقت، والجهد، وأتمنّى أن يراها المشاهد بهذه الطريقة» .

توازي الفكرة للصورة
جاءت الصورة مواكبةً للفكرة، وهذه حالة متوازنة يتصف بها عمل المخرج «سمير حسين»، فلا تكليف في الصورة، وبهرجتها على حساب القيمة الفكريّة، ولا اهتمام بالفكرة، والنصّ على حساب الصورة البصريّة، فالصورة والفكرة لديه في مسلسل «بانتظار الياسمين» حملت توازياً، وتآلفاً، رفع من مستوى العمل، وزاد من تميّزه بين جميع الأعمال التي قُدّمت في هذا الموسم، بالتالي يراهن هذا المسلسل على نوعيّة المتابع الذي يستقطبه، فلن يكون جاذباً إلا لمن يمتلك عيناً تكشف هذا البعد المزدوج، في جماليّة الصورة وأهمية الفكرة، ولاسيما أنّنا نمرّ في ظروف استثنائيّة بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، فالمسؤوليّة اليوم، وبعد مرور عدد من السنوات على الأزمة السوريّة باتت أكبر، وأعمق، على المواطن السوري في تقديمه للعمل الإبداعي، الذي سيحمل همّاً، ولمسة من الواقعيّة، وخاصّةً أنّ هذه الظروف محمّلة بهجمة تستهدف الهويّة والانتماء والثقافة، وغيرها من أساسيات مجتمعنا، وهذا ما حاول المخرج «سمير حسين» أن يقدّمه في موضوع مهمّ ضمن قالب حكائي، يعكس الحدث الكبير، الذي أصاب كلّ أسرة سوريّة ومعاناتها في الأزمة السوريّة، فهناك دراسة لهذا المسلسل يمكن إضافتها، وتسميتها بالصفة العلميّة للصفة الفنيّة اللصيقة له، وتحميله هدفاً، وبعداً قوياً في وجه من الأوجه، من دون التخلي عن صفة التسليّة التي تعدّ من صفات الدراما التلفزيونيّة الأساسية، وليس القصد من كلّ هذا الكلام مديحاً، أو تقريظاً، بل توصيف بمحاولة عادلة للبعد الذي يحمله هذا المسلسل، فليست الفكرة نصاً، وكاميرا، ورغبة في صناعة مسلسل، بل خطوة مهمّة في دراما 2015 يُحسب لها حساب في تاريخ الدراما السوريّة.

حرفيّة أبو الشوق الشرير
من بين الشخصيّات المتميزة في هذا المسلسل كانت شخصيّة «أبو الشوق» التي جسّدها الفنان «أيمن رضا» ولدى سؤالي عن سبب تأدية هذه الشخصيّة بهذه الدقة، ومنحها تفاصيل لا يمكن أن يكسب بها محبّة الجمهور كان جواب فناننا: «لقد رغبت في تقديم شخصيّة أبو الشوق لأنني ضدّها مئة بالمئة في الحياة، فاشتغلت على تفاصيلها جيداً لأنها جزء مهم من تخريب المجتمع، فهي شخصيّة ستحمل لي ردود فعلٍ من الناس في كرهها ومقتها، وهذه هي غايتي من تأديتها، على الرغم من أن هذا سيتسبب في خسارتي لجزء من الجمهور الذي أحبّني، لكنني أردت أيضاً ومن بابٍ آخر أن أثبت للناس في مقدرتي على تأديّة كافة الأدوار بعيداً عن الكوميديّة منها، فأنا أحب الأدوار التراجيديّة وفي مسيرتي لم أجسد أدواراً ذات طابع شرير كثيراً». ولدى السؤال عن أجواء التصوير والتعب الذي أصابه، يجيب «أيمن رضا»: «لقد تعبت كما تعب فريق العمل كله، فقد كان هناك طقس بارد جداً أثناء العمل، إضافة إلى أن الدور شكّل أزمة لدي، وهذا ما انعكس على صحتي وراحتي بالعموم».

أغانٍ كرديّة
حمل المسلسل ميزة قد لا ينتبه إليها البعض، وهي: الغناء بالكرديّة- إضافة للأغاني بالعربيّة- التي جاءت عبر سبع إلى ثماني أغانٍ بهذه اللغة، ولأول مرّة مسلسل سوري يقدّم هذه اللغة من حيث الاهتمام والكم، مهما بلغ صغيراً أو كبيراً بالقياس، والتي قُدّمت في عزفٍ حيٍّ على آلة البزق، من الفنان «آري جان سرحان» وغنائه في نفس الوقت طبعاً، فكانت موسيقا تصويريّة جمعت بين هموم المشاهد، وتكاملها في هذه اللمسة التي كثيراً ما كانت تحمل نهاية للمشهد، أو للمرحلة التي تتحدّث عنها مجموعة المشاهد، وما يعيب الفكرة هنا هو عدم ترجمة ما يقوله ويغنيه الفنان «سرحان» إلى اللغة العربيّة، كي يفهم المتلقي ما يُردد، وما الذي يعنيه، ولاسيما أنّه منح هذه اللمسة وقتاً ليس بالقليل من مساحة المسلسل، وهي في الحقيقة من مكونات المشهد السوري على أرض الواقع، ولكن لن يتيسر لنا فهمها أبداً إن لم تترجم؛ وخاصّة أنّ «بانتظار الياسمين» يُبثّ على ثماني فضائيّات عربيّة، فهذا العنصر على أهميته، وجماله، منح المسلسل غموضاً لدى المتلقي العربي بصورةٍ أو بأخرى.

خط موسيقي غريب
المعادل الموسيقي مختلف عن منظومة العمل، وهذا منحه طابعاً متميّزاً، فالشخصيّات من واقعٍ شرقي، ومن بيئة لها علاقة بالموسيقا الشرقيّة، بصورةٍ مباشرةٍ، فلم يأت العامل الموسيقي هنا لتفسير ما حدث، لأن ذلك سيكون استسهالاً، ولن يقدّم ميزة فنيّة، وقد جاءت الموسيقا للفنان «رعد خلف» التي تتخذ طابعاً أوركستراليّاً، يميل للنمط الغربي، وهنا من الممكن الإشارة إلى غرابة الموسيقا عن الخطّ الدرامي، والتي تعدّ مغامرةً قد لا يعتاد عليها المتلقي بسهولة، ولربما تسبب نفوراً للبعض في عدم متابعة المسلسل منذ حلقاته الأولى.

نفيّ الإسقاطات
قد يحمل العمل إسقاطاتٍ من الشرائح والنماذج الاجتماعية المختلفة نحو دلالاتٍ سياسيّة، فالشخصيّات التي شاركت في تكملة الصورة الكليّة لـ«بانتظار الياسمين»، لها خطوط دراميّة من الواقع المعيش، وهذا ما يمكن أن يستنتجه المشاهد، ويربطه بهذا الطريق مباشرةً، إلا أن المخرج «سمير حسين» لدى تعليقي على هذه الناحية نفى الأمر بالمجمل؛ من حيث إنه لم يعمل على هذه الفكرة مطلقاً، بل كان اهتمامه في منح الشخصيّات إطلاقها في أن تعيش بصورة حقيقيّة وإنسانية، وفي ذلك يشير إلى أن «بانتظار الياسمين» هو: «تغريبة سوريّة، وهو ملحمة سوريّة بامتياز بطلها الإنسان السوري الأبقى، والخوض في السياسة ليس وقته الآن، ولا دلالات سياسيّة للعمل مطلقاً بل هو عمل واقعي إنساني بإيقاعٍ عالي المستوى مستوحى من روح وصلب هذه الأزمة في أربع وثلاثين حلقة».

بين النصّ والرؤية الإخراجيّة
الكاتب «أسامة كوكش» ولدى السؤال عن مدى انطباق الإخراج على النصّ المكتوب وهل ذهب الإخراج في غايته بعيداً عن مرمى الكتابة التي قدّمها، وعن ردّة فعل الناس على العمل في صورته الأخيرة، كان جوابه: «شكلّنا أنا والمخرج سمير حسين ثنائيّاً في الحياة يجعل من الصعب أن تكون الرؤية الإخراجيّة بعيدة عن النص المكتوب، فنحن انطلقنا معا من قبل تبني الشركة المنتجة للعمل، وبالتالي جاءت النتيجة منسجمة بين الكتابة والإخراج ولاسيّما أننا تابعنا الأمور كلّها معاً، وأنا معجب اليوم بما أنجز وبهؤلاء المبدعين من المخرج إلى فريق وشركة الإنتاج والممثلين، واليوم أستشف الانطباعات من الناس حولي بدءاً بعائلتي وأصدقائي ومن يتابع وإلى أي حدّ لامس المسلسل مشاعرهم ودواخلهم وفي كلّ يوم أتلقى اتصالات من خارج سورية من مهنئين ومتابعين للعمل ويفاجئني بكائهم وانفعالاتهم».

مبررات «أمّ عزيز»
من الشخصيّات اللافتة للانتباه أيضاً شخصيّة «أم عزيز» التي قدّمتها الفنانة «شكران مرتجى» والتي حملت عدّة تقلبات، وعنها وعن الحالة النفسيّة المرتبطة بأم عزيز تشير «شكران»: «لقد كُتبت هذه الشخصيّة بطريقة جميلة، وشكلت لي حالة من التحدّي، ولاسيما أنني قدمت شخصيّة كوميدية في مسلسل آخر– دنيا 2015– أثناء تصويري لهذه الشخصيّة المناقضة تماماً للكوميديّة، ولا يمكنني أن أبرر لها ما تفعله من ردّات فعل سلبيّة الآن لأن المسلسل سيبرر لها ذلك، وعموماً هناك تحوّل في شخصيّتها سترونه في الحلقات القادمة، وما حصل من حروق على وجهها شكّل لها ردّ فعل نفسي سلبي فأصبحت تدّعي التسلط والقوة والانتقاد كيلا تشعر بأنها مهانة وضعيفة، ولكن في الحقيقة هي تمتلك شيئاً من الطيبة الداخليّة، مبرراً للتحوّل القادم في شخصيّتها». أمّا عن ظروف العمل القاسية والاجتهاد الذي بُذل في هذا العمل فتقول «شكران مرتجى»: «عملنا في أيام الثلج والصقيع والبرد، وعلى الرغم من ذلك إلا أن متعة كبيرة كان في العمل وتحدّي هذه الظروف، وأودّ توجيه شكري للكاتب أسامة كوكش، وللمخرج «سمير حسين»، ولفريق الإنتاج، وللمكياج الحرفي الذي لعب دوراً مهمّاً في إيصال الحالة النفسيّة ليزيد من تفاعلي مع شخصيّة أم عزيز».

إلى أين؟
من الواقع السوري ومن اللحظة الزمنيّة القريبة منا جداً، وضمن مجموعة من الشخصيّات، لكلّ واحدة منها قصة تشبه حكايات سوريّة في زمن الحرب عليها، ولكن إلى أي حدّ يمكن أن نقول بأن المسلسل كان ناجحاً في أن يكون قريباً من المشاهد العربي والسوري معاً، لينقل الصورة بطريقة دراميّة معالجة؟ هذا سيبقى ضمن رسم السؤال المطروح للمتلقي المعني الذي لا يزال يتابع عرض حلقات «بانتظار الياسمين».
كلّف العمل من الوقت قرابة أربعة أشهر، وهو من إنتاج شركة «ايه بي سي»، والإشراف العام لرئيس مجلس إدارة الشركة «عدنان حمزة» وقد ضّم مجموعة كبيرة من النجوم: سلاف فواخرجي، غسّان مسعود، صباح الجزائري، أيمن رضا، شكران مرتجى، محمد حداقي، أحمد الأحمد، محمود نصر، سامر اسماعيل، محمد قنوع، حلا رجب، روزينا لاذقاني، خالد القيش، جمال شقير، جوان خضر، مرح جبر، دانة جبر، نادين خوري، زهير رمضان، جيانا عيد، حسام تحسين بيك، علي كريم، أمانة والي، فائق عرقسوسي، بسّام لطفي، معتصم النهار، مرام علي، يزن السيد، لينا كرم، ميري كوجك، آري سرحان، أسامة حلال، رنا ريشة، مصطفى المصطفى، محمد الرفاعي، لميس عفيفة، وممثلون كثر آخرون.

Exit mobile version