Site icon صحيفة الوطن

اليوم العالمي للمياه 2017: المياه العادمة … المياه والطاقة… هل اجتماعهما وراء الاهتمام بالمياه عالمياً؟! .. المياه والبيئة الطبيعية لإنقاذ الأرواح وتعزيز النظم السليمة

| أ. د. وائل معلا

منذ عام 1993، تحتفل منظمة الأمم المتحدة في 22 آذار من كل عام «باليوم العالمي للمياه»، للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها والسعي إلى إيجاد مصادر جديدة لمياه الشرب. وفي عام 2005 صادف هذا اليوم بداية «العقد الدولي للمياه» الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 تحت شعار «الماء من أجل الحياة» والذي استمر حتى عام 2015.

في عام 2006 اختيرت «المياه والثقافة» عنواناً لليوم العالمي للمياه بإشراف منظمة اليونسكو، للفت الانتباه إلى حقيقة أن هناك طرقاً عديدة للنظر إلى المياه واستخدامها والاحتفال بها تبعاً لتنوع تقاليد الشعوب وثقافاتها في جميع أنحاء العالم. فالمياه مقدسة في العديد من الأديان، وتستخدم في مختلف الطقوس والاحتفالات. وقد برزت المياه لقرون عديدة في الأعمال الفنية وفي الموسيقا والكتب والأعمال السينمائية، كما كانت عنصراً أساسيا في العديد من الجهود العلمية. في عام 2007، كانت «مواجهة ندرة المياه» الموضوع الرئيسي ليوم المياه العالمي بهدف إبراز الخطورة المتزايدة لندرة المياه في جميع أنحاء العالم وآثارها. ثم أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عام 2008 «السنة الدولية للصرف الصحي» لتسليط الضوء على العدد الكبير من سكان العالم الذين لا يحصلون على خدمات الصرف الصحي الأساسية. أما في عام 2009، فقد ركّز شعار اليوم العالمي للمياه على «المياه العابرة للحدود: المشاركة بالمياه، المشاركة بالفرص»، فهناك في العالم 263 بحيرة وحوض نهر عابر للحدود تمتد على مناطق في 145 بلداً وتغطي نصف مساحة اليابسة على الأرض، الأمر الذي ينبغي أن يحفّز على التعاون في الإدارة المشتركة لهذه المياه الدولية بدلاً من أن تكون سببا للتنازع عليها.
وفي عام 2010، كان شعار يوم المياه العالمي «مياه نظيفة لعالم سليم صحيا» لتأكيد أن المياه النظيفة هي الحياة، وأن بقاءنا جميعاً يعتمد على الطريقة التي نحمي فيها جودة مياهنا. فقد أصبحت نوعية المصادر المائية أكثر عرضةً للتلوث من النشاطات البشرية، وهناك 2.5 مليار شخص في العالم محرومون اليوم من خدمات الصرف الصحي الأساسية. وفي كل يوم يطرح عبر العالم مليونا طن من مياه الصرف الصحي والمخلفات السائلة الأخرى ضمن المياه. وفي عام 2011، أصبح شعار يوم المياه العالمي «المياه للمدن… الاستجابة للتحدي الحضري»، بقصد تركيز الاهتمام الدولي على الآثار المترتبة على أنظمة المياه في المدن والناتجة عن النمو السكاني السريع، والتحول السريع نحو التصنيع، والتغيرات المناخية، والنزاعات والكوارث الطبيعية. فاليوم يعيش شخص واحد من بين كل شخصين من سكان العالم في المدن. ومدن العالم تنمو بمعدل استثنائي بسبب الزيادة الطبيعية في عدد السكان من جهة، والهجرة من الريف إلى المناطق الحضرية وتحويل المناطق الريفية إلى مناطق حضرية من جهة أخرى. وفي العديد من مدن العالم، لم تواكب الاستثمارات في البنى التحتية معدل التمدين، وتضاءلت الاستثمارات كثيراً في خدمات المياه والصرف الصحي بشكل خاص. فحجم التغطية بالشبكات الأنبوبية آخذ في التضاؤل في العديد من الأماكن، والفقراء يحصلون على خدمات أسوأ، ويدفعون بالمقابل أسعاراً أعلى للمياه.
وفي عام 2012 أصبح شعار يوم المياه العالمي: «المياه من أجل الأمن الغذائي» انطلاقا من أن العلاقة بين المياه والأمن الغذائي مفتاح أساسي للتنمية. فالأمن الغذائي يتحقق عندما يتمكن البشر كافة وفي جميع الأوقات من الحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية وبأسعار مناسبة. ويجب أن تدعم مشاريع إدارة المياه خلال الفترة المقبلة ولغاية عام 2050 النظم الزراعية التي ستتولى مهمة توفير الغذاء وسبل المعيشة لـ2.7 مليار نسمة إضافية.
وفي عام 2013 اختير شعار اليوم العالمي للمياه: «التعاون في مجال المياه» وذلك تماشيا مع اختيار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 «السنة الدولية للتعاون في مجال المياه» بناءً على اقتراح طاجكستان ودول أخرى. ذلك أن تلبية احتياجات الناس الأساسية، ومتطلبات البيئة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر كلها تعتمد اعتماداً كبيراً على المياه. والإدارة الجيدة للمياه تفرض تحديات خاصة نظراً لخصائصها الفريدة: فالمياه تتوزع بشكل غير متساوٍ في المكان والزمان، والدورة الهيدرولوجية معقدة جداً، والاضطرابات التي تحدث فيها لها آثار متعددة الجوانب. والنمو السريع للمناطق الحضرية، والتلوث، والتغيرات المناخية كلها تهدد مصادر المياه. في حين أن الطلب على المياه يزداد باستمرار لتلبية احتياجات سكان العالم لإنتاج الغذاء والطاقة ولاستخدامات المياه الصناعية والمنزلية. لذا فالتعاون في مجال المياه أساسي لتحقيق التوازن بين مختلف الاحتياجات والأولويات، والمشاركة المنصفة والعادلة في هذا المصدر الثمين، واستخدام المياه كأداة للسلام.
وفي عام 2014 اختير شعار «المياه والطاقة» شعارا لليوم العالمي للمياه نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط المياه بالطاقة، واعتماد كل منهما على الآخر. فتوليد الطاقة ونقلها يتطلبان استخدام الموارد المائية، ولاسيما في حال الطاقة الكهرمائية، والطاقة النووية، والحرارية. ومن جهة أخرى، يتم استخدام نحو 8% من الطاقة المولدة في العالم من أجل ضخ ومعالجة ونقل المياه إلى مستهلكيها.
وفي عام 2015 اختير شعار «المياه والتنمية المستدامة» شعاراً لليوم العالمي للمياه. لتأكيد أهمية المياه لجميع الأوجه المتعلقة بالتنمية المستدامة. فالمياه ضرورية لصحة الإنسان، وللنظم البيئية، ولتوسع المناطق الحضرية، وللصناعة، والطاقة، وللغذاء وغيرها.
وفي العام الماضي 2016 اختير شعار «المياه وفرص العمل» شعاراً لليوم العالمي للمياه. فاليوم، يعمل ما يقرب من نصف العمال في العالم (أي 1.5 مليار نسمة (في القطاعات المرتبطة بالمياه، والملايين منهم لا تحميهم حقوق العمل الأساسية. ويهدف اختيار هذا الشعار لليوم العالمي للمياه إلى إظهار كيف يمكن للمياه عندما تتوافر بنوعية وكمية كافيتين، أن تغير حياة العمال وسبل عيش الملايين من الناس، لا بل أن تحوِّل المجتمعات والاقتصادات تحويلاً كاملاً.
وفي العام الحالي 2017 اختير لليوم العالمي للمياه شعار «المياه العادمة». فاليوم تؤدي العديد من الأنشطة البشرية إلى طرح مياه عادمة. ويُطرح ما يزيد على 80 بالمئة من مياه العالم العادمة في البيئة من دون معالجة. ولا تقتصر فوائد الحدّ من كمية المياه العادمة غير المعالجة التي تُطرح في البيئة الطبيعية على إنقاذ الأرواح وتعزيز النُظم الإيكولوجية السليمة، بل يمكن أن يساعد هذا الأمر أيضاً على تعزيز النمو المستدام.
وتندرج إمكانية الحصول على المياه المأمونة الصالحة للشرب، وإمكانية الانتفاع بخدمات الصرف الصحي، في عِداد المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وكذلك تقع في صلب أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، التي تشكّل قضايا المياه حلقة الوصل بين أهدافها السبعة عشر جميعها وما تشتمل عليه من غايات مترابطة.
ويمكن للمياه العادمة أن تكون مصدراً مهماً للمياه يمكن الاعتماد عليه في ظل تزايد الطلب على المياه وخاصة في المناطق الجافة وشبة الجافة من العالم التي تعاني شحا في المياه. ويقتضي هذا الأمر الانتقال من نهج «معالجة المياه العادمة بغرض التخلص منها»، إلى نهج «الحدّ من المياه العادمة، ومعالجتها من أجل إعادة استخدامها». وبالتالي لا بد من التوقف عن النظر إلى المياه العادمة كمشكلة، والانتقال إلى عدها جزءاً أساسيا من الحل المنشود للمصاعب التي تواجهها كل المجتمعات. فالمياه العادمة المعالجة يمكن أن تشكل مصدراً إضافياً مجدياً للمياه من حيث التكلفة، ومستداماً وآمناً يمكن الاعتماد عليه لأغراض متنوعة كالريّ والصناعة والشرب، ولاسيما في ظل شحّ المياه. ولذلك لابد من توعية الناس، ومضاعفة الجهود المبذولة من أجل التعريف بمنافع إعادة استخدام المياه العادمة.
وسيرافق الاحتفالات باليوم العالمي للمياه كما جرت عليه العادة إطلاق التقرير العالمي للتنمية المائية لعام 2017 وهو بعنوان «المياه العادمة.. مورد غير مستغل»، وقد اختير عنوانه ليتواءم مع شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام. ويحتوي التقرير على أحدث النتائج والحقائق والأرقام المتعلقة بتنمية المياه في العالم.
لقد قطعت سورية في الفترة التي سبقت الأزمة أشواطاً بعيدة على طريق تحقيق أهدافها التنموية؛ ففي عام 2010، أي قبل عام واحد من بداية الأزمة، أشار التقرير الوطني الثالث للأهداف التنموية للألفية الصادر عن هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أن سورية خطت خطوات كبيرة على صعيد تحقيق الأهداف المنشودة للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2000، فقد بلغت نسبة المستفيدين من مياه الشرب الآمنة على المستوى الوطني 92% في عام 2007، وقد تجاوز هذا الانجاز الهدف المنشود للألفية الذي يجب تحقيقه بحلول عام 2015. كما أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة المزوَّدين بشبكة صرف صحي في المدن حتى وصلت عام 2009 إلى 95% في حين تنخفض عن ذلك في الريف والمناطق النائية، وهذا ما لم تحقّقه الكثير من الدول النامية، لا بل عجز معظمها عن تحقيقه.
لكنّ الحرب التي شنّت على سورية والتخريب الكبير الذي لحِق ببنيتها التحتية طال في جانب كبير منه بأضرار بالغة قطاع المياه والصرف الصحي. فقد تعرّضت أنظمة توزيع مياه الشرب، وشبكات الصرف الصحي، ومحطات معالجة المياه وغيرها من المنشآت المائية الحيوية لأضرار كبيرة. ومن الطبيعي أن نصبح اليوم بعيدين عن تحقيق الأهداف المنشودة للألفية.
إن جهوداً كبيرة بُذِلت وتبذل لإعادة تأهيل البنى التحتية، وخاصة تلك المتعلقة منها بشبكات المياه والصرف الصحي، لما لها من أثر بالغ في نوعية حياة الناس والصحة العامة. وفي مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها، لا بدّ من بذل كل جهد ممكن لإعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي وصولاً إلى استكمال الخطة الطموحة التي تضمنتها الخطة الخمسية الحادية عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية في توفير شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي للأغلبية العظمى من سكان المناطق الحضرية والريفية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات كبيرة على نوعية المياه السطحية والجوفية في القطر وعلى الصحة العامة والبيئة بشكل عام.
وهنا لا بدّ من التركيز في مرحلة الدراسات والتخطيط على مشاريع معالجة المياه العادمة، وإيلائها الأهمية التي تستحق لتغدو مصدراً أساسياً من مصادر المياه المتوافرة والمستعملة لأغراض زراعية وصناعية ومنزلية، إلى جانب المصادر المائية المتوافرة.

Exit mobile version