ثقافة وفن

نعى نادب العرب شبانها فجدد بالنعي أحزانها

| مصعب أيوب

فجرت السلطة العثمانية صباح السادس من أيار 1916 فاجعة كبيرة في حق الأمة العربية بعد أن نفذت حكم الإعدام بحق عدد من الوطنيين والمثقفين في كل من دمشق وبيروت في ساحتين عامتين سميت كل واحدة منهما فيما بعد باسم ساحة الشهداء، وذلك بأمر من حاكم بلاد الشام آنذاك جمال باشا السفاح بعد أن وجهت لهم العديد من تهم التجسس والتخابر مع أعداء السلطنة العثمانية.

وعليه فقد تقرر ذلك اليوم مناسبة وطنية في كلتا الدولتين -سورية ولبنان- اللتين زفتا الشهداء في سبيل الوطن ليرتبط هذا اليوم بالكثير من الدلالات اللغوية والرمزيات الإنسانية والوطنية لما حمله ذلك اليوم من تضحيات نبيلة، وبالاحتفال بهذا اليوم يبدو واضحاً التعبير الصادق عن روح الإباء وحب الوطن الراسخ في قلوب ووجدان السوريين المبني على أساس جذوره من الغيرة والحمية على أرض الوطن.

يوم وطني

لم يكن الفن بعيداً عن المعترك السياسي ولا عن واقع المجتمعات والحياة اليومية، وقد شاركت كل أشكال الثقافة بطريقة أو بأخرى في استنهاض حمية الشعوب من أجل الذود عن حياض الأرض، وقد تمثل هذا اليوم الوطني في كثير من الأشكال الأدبية والفنية والثقافية سواء في الدراما أم السينما أو الفن التشكيلي أو الأدب، ولعل أول تلك الأشكال الأدبية والثقافية كان الشعر الذي عمل على تخليدهم والتذكير بهم وشحذ همم الأجيال للدفاع عن أوطانهم وأرضهم، فقد سجلت تلك الأشعار القوافل الطويلة من الشهداء التي قدمت في طريق مجد الأمة.

يقول الشاعر خير الدين الزركلي:

نعى نادب العرب شبانها
فجدد بالنعي أحزانها
فمن للمدامع إلا تفيض
وترسل كالسيل هتانها

وقال أيضاً مؤكداً على أن العثمانيين ينقضون العهود ولا ميثاق لهم ويضطهدون العرب:

عتا أحفــاد جنكــيز فســــــــاقــوا
سـلائـل يعـرب سـوق العبـــــيد
هم عـــــقـدوا العهـود على ولاء
وهـم عمـدوا إلى نقــض العهود
فـــكـم قتلــوا من الأحيـاء صبراً
وكـم سـامـوا المهـانـة من عميد
وكـم حملـوا على الأعـواد ظلماً
وكـم سقـوا المنيــة من شهــــيد
شـر البليــة والبلايا جمـــــــة
أن يستبيــح حمى الكـرام عبيد

كما قال مؤلف النشيد السوري خليل مردم بك في عام 1924 راثياً شهداء ذلك اليوم المشؤوم:

في مثل ذا اليوم- لا جاد الزمان به-
على الجذوع علت أرواحهم صعدا

وقال الشاعر اللبناني بشارة الخوري «الأخطل الصغير» ممجداً الشهداء وتضحياتهم:

كتلة من لهب في سماء العرب
ولواء من هدى وشهاب من نبي

كما يقول الشاعر الفلسطيني محمد العدناني:

رماها جمال بالأسى يصرع المنى
وأرهقها ما شاء للغاشم الضر

ارتباط وثيق بالأرض

ولم ينس شعراء المهجر أيضاً الاحتفاء بهذا اليوم وتمجيد بطولات الشهداء مبرهنين بأنهم على ارتباط وثيق بأرضهم مهما ابتعدوا عنها، فيقول الشاعر السوري من أصول حمصية جورج أطلس الذي كان مقيماً في الأرجنتين:

تبكيك حمص وما تحويه من نزه يبكيك «ميماسنا»، يبكيك عاصينا

كما ألف الشاعر اللبناني يوسف عساف الذي كان مقيماً في البرازيل أبياتاً يطالب فيها العرب بالوقوف في وجه سفاحهم والأخذ بثأر الشهداء الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل رفعة وكرامة أوطانهم، فقال:

كم جندلوا من قومكم، كم أبعدوا
من أهلكم، كم جوّعوا، كم أرهقوا

وقد قال نسيب عريضة من أميركا مستثيراً حمية العرب لينهضوا في وجه السفاح وإنما بأسلوب ساخر وناقد:

كفنوه
وادفنوه
أسكنوه
هوة اللحد العميق
واذهبوا، لا تندبوه، فهو شعب
ميت ليس يفيق.

كما حرّض الشاعر رشيد سليم الخوري في هذه المناسبة شباب وأبناء الأمة على النيل من العدو وكسر شوكته والاستبسال في حماية الأوطان، فقال من البرازيل:

خير المطالع تسليم على الشهدا
أزكى الصلاة على أرواحهم أبدا
فلتنحن الهام إجلالا وتكرمة
لكل حر عن الأوطان مات فدى
قد علقتكم يد الجاني ملطخة
فقدست بكم الأعواد والمسدا
بل علقوكم بصدر الأفق أوسمة
منها الثريا تلظى صدرها حسدا
أكرم بحبل غدا للعرب رابطة
وعقدة وحدت للعرب معتقدا
وأنتم يا شباب العرب يا سندا
لأمة لا ترى في غيركم سندا
ناشدتكم بدماء الأبرياء ألا
لا تهدرن دماء الأبرياء سدى
تلك الجبابرة الأبطال ما ولدت
للمجد أمثالهم أم ولن تلدا
لله أروعهم كالنار متقدا
يبغي حياض الردى بالنار مبتردا
يقبل الجرح لو لم يغره طمع
بغيره ما تمنى أنه ضمدا

وعليه فيمكننا أن نتبين أن أهل الأدب والثقافة كانوا على ارتباط وثيق مع أرضهم وأوطانهم وإن لم يكونوا فيها، فأكدوا أن هذا اليوم ليس يوماً عادياً وهو مختلف عن غيره، هو يوم مجيد سطره رجال آمنوا بأوطانهم ولم يحسبوا للعدو حساباً وأقدموا لمجابهته وجادوا بأرواحهم ورفعوا الصوت عالياً، ولا بد لنا من أن نرفع أسمى التحيات لهم ولبطولاتهم، فهم قدموا أرواحهم قرابين على المذابح ليحيا الوطن وتعيش الأجيال بعدهم حياة حرة كريمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن