قضايا وآراء

أسبوع حاسم في مفاوضات غزة.. المقاومة لا تنكسر

| عبد المنعم علي عيسى

أبدت المقاومة الفلسطينية صموداً في ميادين التفاوض لا يقل عن نظيره الذي أبدته في ميادين القتال، فعلى أعتاب الشهر السابع لبدء الحرب ظلت المواقف التي تشهدها الميادين الأولى عند حالها الذي كانت عليه منذ أن سرت الحرارة في الميادين الأخيرة، على الرغم من أن التفاوض كان يجري تحت ضغط الحديد والنار، بل إن هذا الأخير كان كثيراً ما تزداد سخونته على وقع تحديد مواعيد الجولات التي لم تنقطع تقريباً في مؤشر يؤكد أن أطراف الصراع ليست لديهم الرغبة في حدوث فعل من ذاك النوع الذي سيؤدي، في حال وقوعه، إلى دخول المنطقة في منعرج خطير من الصعب التكهن بالنتائج التي قد يقود إليها، فيصبح الصراع في غزة عندها «هامشياً»، الأمر الذي يدركه المفاوض الفلسطيني جيداً، وهو من دون شك يسعى إلى أن تظل قضيته هي المركزية وإن برزت سخونة على جبهة هنا أو هناك، أو ارتفعت حماوة جبهات بعيدة راحت تبدي استعداداً نشطاً لدوام حالها تلك.

ثبات الميدان جنباً إلى جانب ثبات التفاوض، أديا إلى إعطاء الصراع دفعاً قوياً، وحالة من الاستقطاب لا تعادلها حالة تجاه أي صراع جرى على امتداد العقود الثلاثة الماضية التي هي عمر الانفراد الأميركي بالهيمنة على العالم، والمؤكد هو أن النتائج التي سيفضي إليها، هذا الصراع، ستكون ذات تداعيات كبرى على المنطقة برمتها، بل على العالم أجمع، هذا إن لم تكن كما «المسمار» الأخير الذي يدق في نعش «القطبية الأحادية» الذي تهالكت العديد من جنباته وصولاً إلى «سقوفه» التي باتت بحاجة إلى تدعيم يبدو متعذراً بشقيه الذاتي والموضوعي.

من الممكن الجزم بأن أطراف الصراع باتوا على يقين راسخ بأن لا سبيل لدرء حرب إقليمية واسعة سوى إيقاف نزف الدم الفلسطيني في غزة كمدخل إلزامي لذلك الفعل، ومن الممكن الجزم أيضاً بأن مواقف واشنطن اليوم هي غيرها التي كانت يوم 7 تشرين الأول المنصرم، والتغير إياه ليس ناجماً عن مواقف مستجدة، أميركية، حقيقية تجاه فلسطين، بل فرضه الواقعان الميداني والتفاوضي الحاصلان بعد نحو سبعة أشهر على مرور هذا التاريخ الأخير، وينقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين قولهم: إن «البيت الأبيض يرى أن وقف إطلاق النار كجزء من صفقة تبادل من شأنه أن يطفئ حرائق أخرى في المنطقة»، ومن المؤكد هو أن هذا التقدير الأميركي أشبه ما يكون بـ«أمر عمليات» تسير عليه الدبلوماسية الأميركية التي يقودها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي نُقل عنه مؤخراً عنه، في أعقاب لقاءاته التي أجراها مع نظرائه في الخليج ومصر والأردن، ما اصطلح على تسميته بـ«وديعة بلينكن» التي قدم من خلالها تعهداً أميركياً بعدم عودة إسرائيل إلى الحرب ما بعد الهدنة التي يسعى إلى إقرارها في سياق مسعى يرمي لتغليب سياسة التهدئة التي تفسح المجال أمام إعادة التشبيك ما بين كيان الاحتلال وبين دول أخرى محورية في المنطقة بعد أن سرت تقارير تقول إن «طوفان الأقصى» هو الذي وقف حائلاً بين هذه الأخيرة وبين فعل من ذاك النوع، بل إن بعضها أكد أن الخيارات كانت على وشك الانتقال من حيز التخطيط إلى حيز التنفيذ لو لم يحدث «الطوفان»، أو هو تأخر قليلاً.

تشير تقارير وازنة جرى نشرها أواخر الأسبوع المنصرم إلى أن القاهرة تلعب دور الضاغط على المقاومة الفلسطينية انطلاقاً من معطيين اثنين، أولهما «وديعة بلينكن»، وثانيهما الموقف الأميركي «المناسب» وفقاً للمنظور المصري، فالقاهرة تبدو على يقين بأن واشنطن لا تريد لإسرائيل اجتياح رفح لاعتبارات خاصة بها أبرزها أن العملية سوف تزيد من حرج الموقف الأميركي الدولي، وثانيها أن عملية الاجتياح، ستزيد من رقعة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية التي اشتد أوارها مؤخراً بدرجة فاقت تلك الحاصلة فيها عام 1968 احتجاجاً على المشاركة الأميركية بحرب فيتنام، وتلك الحاصلة أيضاً عام 1986 احتجاجاً على دعم واشنطن لنظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا الذي تهاوى بعد نحو سبع سنوات من هذا التاريخ الأخير، والشاهد هو أن المعطيات تشير إلى أن ثمة ما يبرر القراءة المصرية، فبعد تقرير «أكسيوس» الآنف الذكر، قالت مديرة المخابرات الوطنية الأميركية أفريل دانيكا هانز، في شهادة لها تقدمت بها أمام الكونغرس يوم الخميس الماضي: إن «الصراع في غزة هز منطقة الشرق الأوسط، وتسبب في تحديات أمنية وسياسية»، قبيل أن تذهب إلى ترجيح أن يحدد ذلك الصراع «مستقبل المنطقة لعقود»، وما لم تقله هانز، وإن كانت شهادتها تحتويه ضمناً، هو أن ذلك الصراع الذي ثبت أنه كان الأكثر تأثيراً على التوازنات الدولية وعلى نسيج العلاقات القائمة فيها من حرب أوكرانيا مثلاً، بات مركزياً لواشنطن في سعيها لإطالة عمر النظام الدولي القائم منذ العام 1991، وهذا هو الأمر الذي يفسر رفض واشنطن القاطع لأن تكون روسيا طرفاً ضامناً في مفاوضات غزة.

أسبوع حاسم سوف تشهده المفاوضات حول غزة، وما يعزز هذه المقولة أن واشنطن رمت بثقلها كله تقريباً في سلال الأطراف الداخلة في الصراع مع تسجيل استثناء وحيد هو «السلة» الإسرائيلية التي رمت فيها بنصف ثقلها أو يزيد قليلاً لاعتبارات انطلقت فيها من رؤيا مفادها أن استعادة الكيان لقوة «الردع» تبقى أمراً لا مناص منه لبسط سيطرتها على الشرق الأوسط، ولإطالة عمر هيمنتها العالمية، بات نجاح المفاوضات اليوم رهينة أن يتجاوز الثقل الذي ترمي به واشنطن هذا الثقل الأخير في سلة كيان بات «مستقبله» هو الآخر رهينة استشراف المتغيرات التي يجب أن تفضي به إلى حقيقة مفادها أن معادلات بناء القوة متغيرة وأن الركون إلى الثابت منها هو فعل يقود نحو جمود بنيوي لن يفضي إلا إلى الاضمحلال وقصقصة الأذرع بدرجة تصبح فيها أقصر مما تتطلبه الوظيفية التي وجد لأجلها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن