قضايا وآراء

جمهوري «يشجع» تل أبيب على استخدام القنبلة النووية!

| تحسين حلبي

في مجرى حرب التحرير الثورية التي شنها شعب دولة جنوب إفريقيا بعد عام 1948 ضد الاحتلال البريطاني وحكومة الاستيطان الأوروبي في أراضي جنوب إفريقيا، تبين في السبعينيات من القرن الماضي أن حكومة الاستيطان الأوروبي الأبيض في تلك البلاد كانت تمتلك سلاحاً نووياً للتهديد باستخدامه ضد حركة التحرر الإفريقية والتخلص منها، لكن ذلك التهديد لم يرهب شعب جنوب إفريقيا وقيادته الثورية التي استمرت في كفاحها المسلح حتى عام 1991 وهزمت بقيادة الزعيم نيلسون مانديلا المستعمرين البيض واستلمت الحكم بعد أن أجبرت بريطانيا على سحب السلاح النووي عام 1989 من أراضي جنوب إفريقيا أي قبل عامين من الانتصار .

وعلى غرار هذا الكيان العنصري الأوروبي الاستعماري لم يكن من المستغرب أن تعمل بريطانيا وفرنسا على تسليح الكيان الإسرائيلي بعدد من القنابل النووية منذ أواسط ستينيات القرن الماضي لردع الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة العربية عن تحرير فلسطين واستعادة الحقوق، وكان العالم كله قد استغرب التهديد العلني الذي أطلقه الوزير الإسرائيلي عميحاي إيلياهو في التاسع من شهر تشرين الثاني الماضي باستخدام القنبلة النووية للتخلص من المقاومة وعمليات طوفان الأقصى العسكرية في قطاع غزة التي كبدت جيش الاحتلال خسائر كبيرة بعد شهر من تلك العملية البطولية، وكان من الطبيعي أيضاً أن يستنكر العالم كله وخاصة في مجلس الأمن الدولي مثل هذا التصريح الذي يهدد فيه الكيان بقتل مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين بالقنابل النووية في قطاع غزة، ويبدو أن مسألة استخدام هذا التهديد لم تعد تقتصر على قادة الكيان الإسرائيلي بهدف إيقاف التدهور المتواصل في قدراته العسكرية والمعنوية، ففي 13 أيار الجاري ذكرت الصحف الأميركية والإسرائيلية أن أحد أهم زعماء الحزب الجمهوري الأميركي والأكثر تشددا في الساحة الأميركية ليندسي غراهام اقترح على حكومة بنيامين نتنياهو استخدام القنبلة النووية للتخلص من كل ما يشكله قطاع غزة وشعبه ومقاومته، وقارن هذا الخيار بما فعلته الولايات المتحدة عام 1945 ضد اليابان حين استخدم سلاح الجو الأميركي في نهاية الحرب العالمية الثانية قنبلة نووية لتدمير مدينة هيروشيما ثم قنبلة أخرى ضد مدينة ناكازاكي، وكان الهدف الأميركي من وراء استخدام هذا السلاح النووي هو اختصار زمن الحرب مع اليابان وإرهابها لمنعها من الاستمرار بالحرب لأطول مدة، وبهذه الطريقة خضعت القيادة اليابانية لشروط الاستسلام الأميركية بعد التدمير الشامل الذي تسبب به هذا السلاح النووي وتوقفت الحرب، ولا تزال قوات أميركية تنتشر في مواقع إستراتيجية على الأراضي اليابانية بعد هذا الاستسلام.

لا شك أن هذا الاقتراح على لسان غراهام يعد تشجيعاً مباشراً وصريحاً تقدمه الولايات المتحدة لتل أبيب بعد العجز والهزيمة التي لحقت بجيش الاحتلال من جبهتي الجنوب والشمال وجبهة الوسط في الضفة الغربية ومن جبهة الجولان والإسناد من اليمن ومن قوى الحشد الشعبي في العراق وامتداده حتى إيران، ومع ذلك يرى الجميع أن مثل هذا التشجيع على لسان غراهام لا يعد أكثر من محاولة لإرهاب المقاومة وردعها عن الاستمرار، وهو ما لن يحدث لأن استخدام سلاح نووي ضد قطاع غزة سينهي وجود هذا الكيان ولن يوقف جميع الدول المحيطة بالكيان عن شن أكبر حملة عسكرية شاملة عليه تفوق قدرات تحمّله أو تحمّل الولايات المتحدة معه، وهذا ما أدركته بريطانيا التي كانت قد سلحت حكومة العنصريين البيض في جنوب إفريقيا بسلاح نووي ثم اكتشفت عدم جدواه في المحافظة على المستوطنين الأوروبيين البيض وقوة جيشهم في تلك البلاد، فقررت سحب هذا السلاح والتسليم باستقلال شعب جنوب إفريقيا فوق ترابه الوطني ورحيل المستوطنين الأوروبيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن