استفاقة ماكرون
| مازن جبور
انعطافة بالدرجة القصوى تنم على ما يبدو أنه يقظة فرنسية على خطا اليقظة الأميركية والغربية عموماً، بعد التحول باتجاه التفاهم مع روسيا، والتي كانت هدنة الجنوب السوري أولى خطواته، في حين يبقى عربان الخليج ومعارضتهم التي يرعونها ويوجهونها لتنفيذ أجنداتهم في غفلة، تنم عن ضعف رؤية وقصر نظر سياسي سيؤدي بها إلى الرسوخ تحت المبدأ القائل «القانون لا يحمي المغفلين»، لأنه كذلك فإن السياسة لا تحمي المغفلين.
في مقابلة له مع صحيفة «الفيغارو» الفرنسية، نشرت يوم 22 حزيران الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون عن استدارة بلاده بقوله إنه «لا يرى خلفا مشروعا للرئيس بشار الأسد»، وتابع: إن «الرئيس الأسد ليس عدوا لفرنسا»، وذلك بعدما كانت باريس لفترة طويلة في مقدمة المطالبين بـ«رحيل» الرئيس الأسد.
الرئيس الفرنسي، عاد ليكرر موقف بلاده في مؤتمر صحفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب، الخميس الماضي، قائلاً: «مسألة رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة، لم تعد شرطاً ضرورياً بالنسبة لفرنسا»، معلنا عن توصله، مع الرئيس ترامب، إلى صيغة مشتركة للاستمرار في العمل حول سورية والعراق، وتشكيل مجموعة اتصال حول ذلك، إضافة للتعاون المشترك في محاربة الإرهاب، وأنهم طلبوا من دبلوماسيين إعداد مبادرة «ملموسة» في الأسابيع المقبلة في شأن مستقبل سورية.
إن السياسة الفرنسية القائمة على اعتبار أن باريس تمثل رأس الحربة في مشاريع «الربيع العربي» بالتعاون مع قطر في ليبيا وفي أكثر من مكان وفي سورية أيضاً، أوصلت في عهدي نيكولا ساركوزي وفرانسوا أولاند، فرنسا إلى الحضيض، إلا أن الرئيس الجديد يبدو أنه استفاق، ورأى أنه لابد من النهوض بفرنسا عبر بوابة يمكن من خلالها العودة عن سياسة أسلافه، فاتجه نحو البوابة الروسية، حيث كان للقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع ماكرون دور كبير في هذا التغيير تجاه سورية، ومن ثم بدأ البحث مع ترامب، عن طريق عودة إلى الشرق الأوسط، فكان أن طرح المبادرة السابقة الذكر.
يبدو أن القيادة الفرنسية خضعت إلى الواقعية السياسية، فالآن وبعد أن تغيرت الكثير من المعطيات على الأرض، أصبح جلياً لماكرون أن يعي الخطر الإرهابي الكبير الذي يتلاعب به الأميركي والبريطاني، هذا الفهم كان مغيبا لدى باقي الأوروبيين، لذلك بدؤوا يغيرون في سياساتهم تجاه سورية، بعد أن صحوا على وقع التوافق الروسي الأميركي في الجنوب السوري، وهذه هي الواقعية السياسية التي فرضتها التطورات الحالية، فالغرب لم يغير في سياساته نتيجة تغير مزاجيته وأمنياته، بل هناك ما فرض على العالم كله وأوجب حدوث تغير في المزاج السياسي.
إذاً ماكرون اليوم بصدد العمل على تنفيذ وعوده الانتخابية بإعادة فرنسا إلى قلب اللعبة الدبلوماسية الدولية، وهو ومنذ وصوله إلى قصر الإليزيه، يسابق الزمن كي يعزز موقع فرنسا في مواجهة الاضطراب العالمي، ومن هنا أتت القمة مع الرئيس الأميركي كاختبار من الدرجة الأولى لأسلوب ماكرون ومقاربته السياسية، فإذا كانت الأولوية بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية البقاء في الدائرة الأوروبية، فإن هذا لا يعني عدم الدخول في علاقة خاصة مع واشنطن، ومع باقي القوى الدولية والمؤثرة في العالم.
وعلى الرغم من بدء عودة الغرب إلى السرب بعد الاستفاقة على وقع إيلام الإرهاب له، إلا أن «المعارضة» ودول الخليج الداعمة لها لم تستفق بعد، بل ما زالت تغرد خارج السرب وتعرقل أي محاولة للتوصل إلى تسوية للأزمة السورية، الأمر الذي يدل على حقيقة عدم وعيها السياسي.