منتخب المحترفين
| زياد حيدر
هذا ليس مقالاً رياضياً، وقد كتبته قبل مباراتنا مع إيران، متردداً في نشره قبل حسم منتخبنا حظوظه في تصفيات كأس العالم. كان لدينا صديق يردد، أنه «لا يمكن الحديث عن الإصلاح حتى يصبح فريقنا لكرة القدم جيداً». وكرة القدم لدينا، تمثل تقاطع سياسات معقدة، ولاسيما حين كان ممنوعاً على اللاعبين الاحتراف سابقاً، ما ضيع على البلاد عشرات الملايين من الدولارات، وسمعة دولية، وخصوصاً أن التسعينيات والثمانينيات حفلت بنجوم كبار، باعتراف صحف عالمية، لم يستطيعوا الإفلات من قيد القرار الاشتراكي حينها «اللاعب ليس سلعة». وضاع على النجم عبد القادر كردغلي أن يصبح ميشيل بلاتيني آخر، وعلى مناف رمضان أن يصبح غاري لينكر آخر، وضاع علينا أن نرفع أعلامنا في تظاهرات عالمية خلف شبابنا.
منتخبنا الغالي، رغم النتائج الجيدة التي حققها، ذو إعداد غير مكتمل، وملامح عصبية، راهن بشكل أساسي على خبرة الاحتراف الخارجي لدى لاعبيه، وروحهم القتالية لتحقيق النصر والوصول بالحلم إلى الواقع بشكل أساسي، وهذا كله مفهوم الأسباب، من دون الحاجة لاستذكارها.
بكينا للمنتخب مراراً، فالفرحة بالفوز بهذه الظروف ذات معان عميقة، وتذكي فينا نشوة، نشوة الوقوف بعد كبوة، نشوة الحياة بعد الموت، وهذا الفريق حملنا من الموت إلى الحياة، من الإحباط إلى الأمل.
ولكن، هذه مناسبة أيضاً لنستذكر الخلل الكبير في هذا القطاع المهم، والاستخفاف الذي يتم التعاطي معه، علما أن لا أحد بنصف درجة من الوعي، لا يعرف أهمية كرة القدم، ومستوى الرفع المعنوي الذي تقدمه المنتخبات الوطنية لشعوب بلادها.
لماذا كل هذا الكلام؟ لأن صنع المنتخب، ومن ثم فوزه، لا يتحقق بوعود «بيت وسيارة» لكل لاعب، كما كان يجري في التسعينيات والثمانينيات. ولا بألفي دولار مكافأة. ولا باتصال هاتفي تشجيعي. هذه الرياضة صناعة، ذات بنية تحتية، وجهاز إداري وفني وعلمي مهيأ، يضع إستراتيجيات للمسابقات السنوية والفصلية التي تتكرر دورياً.
يبحث عن المواهب، ويسوّق هذه المواهب في الخارج، لتحصل على الاحتكاك والشهرة والسمعة الدولية، يهيئ اللاعب كمنحوتة فنية، يستفيد منها لاحقاً، عبر منحه فرص نجاح إضافية.
يجدر بنا أن نسأل أنفسنا ما الذي يجعل منتخبنا الوطني في أفضل تصنيف له في تاريخه، والبلد في أسوأ حالاته؟
نتائج الفريق سببها الرئيسي العزيمة التي لدى أفراده وطاقمه الفني، والإحساس الهائل بالمسؤولية المعنوية في هذا الظرف، وتجمع حصيلة خبرة اللاعبين وأغلبيتهم من المحترفين، وبعضهم جاء احترافه حتى نتيجة للأزمة أيضاً، مع العامل التشجيعي الذي يتمثل في الجمهور المحلي والأجنبي، إعجاباً وتقديراً لهذه الروح القتالية، التي ترمز للإنسان عموماً وليس فقط لنا كسوريين.
لكن المنتخب كان منتخب محترفين ولم يكن منتخباً محترفاً، ولعب للفوز، بأي طريقة، من دون أن يعتمد طريقة احترافية لتحقيق تراكم النصر.
وبما أن عوامل القوة تجمعت الآن، هل تعيد الدولة تقييمها لعوامل الضعف، وهي متأصلة وكثيرة وضخمة؟
نتمنى أن تكون التجربة درساً وفرصة نستثمرها!
لست خبيراً، ولكن ما أعرفه أن المنتخب الوطني يصنع صناعة، لا تكفي وحدها المواهب، كما تدمره الوساطات، وعلى حين يقاس عمر المسؤولين عن هذه الرياضة لدينا بالدهور المديدة التي لا تنتهي، يقيس النجم مستقبله الكروي بسنوات لا تتجاوز خمسة عشر عاماً من العطاء.