الانفصاليون السوريون ودرس كركوك
| بسام أبو عبد الله
لم يتعلم رئيس إقليم كردستان العراق المنهية ولايته مسعود بارزاني من تاريخ أبيه الملا مصطفى، وكأنه «صم بُكم»، إذ اعتقد أن الأمور سوف تتغير بين الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون والرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، أو بين رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الأسبق بن غوريون ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، وأن الأساطيل سوف تتحرك، والعالم سوف يستنفر لمجرد إعلانه الاستفتاء في 25 أيلول 2017 رغماً عن أنف الدستور العراقي، ورغماً عن أنف العراقيين جميعاً الذين يخرجون من حرب ضروس، وقاسية مع تنظيم داعش الإرهابي.
توهم بارزاني بناء على إيحاء مستشاريه الإسرائيليين، أنه الوقت المناسب للانفصال، وأخذ نفط كركوك لجيوب عائلته وعشيرته، التي لم تشبع من مليارات الدولارات التي نهبتها على حساب فقراء الأكراد والبسطاء منهم، وعلى حساب أغلب العراقيين، محتقراً الدستور الذي وافق عليه عام 2005.
لم يتذكر مسعود بارزاني أبداً ما قاله وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الذي ما زال حياً لوالده مصطفى حينما تعجب، وصدمَ من ترك أميركا له بعد أن قاتل لسنوات حكومة بغداد بين 1965- 1975، إذ قال له: «يجب أن تعرف أن الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية».
اعتقد مسعود بارزاني أن تغيير الجمعية الخيرية من أميركية إلى فرنسية أو إنكليزية، سوف يغير المعادلة، وسوف ينقذه من مصير السقوط المحتوم بعد فقدان شرعيته وإغلاقه البرلمان وضربه عرض الحائط بالآراء المخالفة له على الرغم من أن حزبه يحمل الصفة «الديمقراطية» منذ عشرات السنين.
لم يتعلم من تاريخ والده مصطفى شيئاً، وهو الذي زار إسرائيل عام 1967، وقدم خنجراً كردياً لوزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشي دايان، ونفذ كل الخطط الإسرائيلية ضد وحدة العراق، وكان يتقاضى 50 ألف دولار شهرياً من الإسرائيليين للتآمر على العراق حسب الصحفي الأميركي جاك أندرسون.
ظن مسعود بارزاني أن الولايات المتحدة سوف تستمر بدعمه، لأنه ساهم في إسقاط النظام العراقي عام 2003، واعتقد لاحقاً أن انشغال العراق في الحرب على داعش سوف يشكل له فرصة لأخذ مدينة كركوك الغنية بالنفط فسيطر عليها في 12 حزيران 2014 بعد مغادرة الجيش العراقي لها، وظل يسرق من نفطها حتى عودتها لسلطة بغداد في 16 تشرين الأول الجاري من دون أن يعرف أحد أين ذهبت أموال النفط المسروق، ومن دون أن يستفيد أي من فقراء الأكراد وبسطائهم من هذه الأموال الطائلة، ولذلك يجب ألا يفاجأ بارزاني من السقوط السريع للمدينة بأيدي القوات العراقية لأنه على ما يبدو لم يجد من يدافع عن المدينة من أجل عيون بارزاني وعائلته.
كثير من القيادات الكردية حذرته من المضي في خطوة الانفصال والتعجرف والتكبر، ورفض بوابات الحوار التي حاول كثيرون فتحها مع بغداد، ولكن من دون جدوى، فمصالحه الشخصية طغت على حساب مصالح العراقيين الأكراد الذين يجد الكثيرون منهم أنهم حصلوا في العراق على الكثير الكثير من المزايا والحكم الذاتي، والتمثيل في البرلمان العراقي والحكومة أيضاً، كما يرون أنه لا يجوز الدوس على كل هذه المكتسبات لمجرد مصالح بارزانية، وكسيحة غير قادرة على فتح أفق غير أفق الصراع، والقتال الذي تعبت منه كل شعوب المنطقة، ولا تخدم سوى العدو الإسرائيلي فقط،
لقد قامت مراكز بحوث أميركية قريبة من اللوبي الصهيوني إضافة إلى سياسيين أميركيين وأوروبيين من أمثال: برنار كوشنير، برنارد هنري ليفي، جون ماكين وغيرهم كثر، بتحريض بارزاني على الانفصال، لا بل قالوا له: إن «أميركا لن تترككم هذه المرة!» خلافاً للمرات السابقة، واعتقد أن الدعم الأميركي لقوى كردية انفصالية في شمال سورية هو فرصة تاريخية له لإعلان الانفصال من دون أن يفهم أنه لا يعيش قرب الولايات المتحدة، وأن جيرانه هم الأكثر تأثيراً، وأن إخوته العراقيين هم الأكثر تأثراً وتأثيراً في معادلة الانفصال!
كان بارزاني يُطلق تصريحات نارية عن أن كركوك هي «قدس كردستان»! مستقوياً بالوعود التي قدمت له من إسرائيل ولوبياتها، وكان واضحاً تماماً الدعم الإسرائيلي العلني قبل استفتاء 25 أيلول الماضي وحملة التحريض الإثنية التي قادها جهاز الموساد الإسرائيلي لإشعال فتيل صراع جديد لا يخدم إلا تل أبيب وقوى الهيمنة الغربية، والآن: أين هي «قدس بارزاني» الافتراضية، وهل وجد أحداً في العالم يقف معه! بالتأكيد: لا، لأنه لم يتذكر كلام كيسنجر لوالده: «أميركا ليست جمعية خيرية»! وأضيف له، وكذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا، و…
يبقى السؤال: ما أخبار عنتريات «بارزانيي شمال سورية»؟ وتصرفاتهم الرعناء التي استوعبتها الدولة السورية في أكثر من مرحلة؟ وما أخبار انتخاباتهم وخطواتهم الخيالية التي لا علاقة لها بالواقع، والمنافقة والكذابة وتهدف لابتزاز الدولة السورية؟
واضح أن الدولة السورية تتعامل وفق أولويات إستراتيجية عسكرية ميدانية وسياسية، وعندما يحين الوقت المناسب لن يجد هؤلاء الانفصاليون أحداً معهم، كما هي حال مسعود بارزاني، وعليهم أن يقرؤوا درس كركوك بعناية فائقة جداً وينزلوا من أعلى شجرة ما يسمى «إدارة ذاتية» باتجاه حقوق وواجبات مثل كل المواطنين السوريين ضمن إطار الدستور السوري، وليس ضمن إطار ضمانات الجمعيات الخيرية الأميركية والإسرائيلية والغربية، وإذا كنت أعرف تماماً أن أغلبية السوريين الأكراد هم مع وحدة بلدهم ووطنهم وشعبهم، فإن أولئك الذين يحلمون بنماذج بارزانية في الشمال السوري عليهم أن يتركوها قبل أن تنفد الفرص المتاحة، وساعتئذٍ سيجدون أن قصة كركوك بسيطة جداً أمام ما سيرونه، لأن سورية واحدة غير قابلة للتقسيم، وأميركا كعادتها تنسحب وتترك أزلامها خلفها دائماً، وإذا كان الملا مصطفى بارزاني قد سمع العبرة من كيسنجر، فعلى هؤلاء أن يقرؤوا جيداً ما قاله السيئ الصيت السفير الأميركي السابق في دمشق روبيرت فورد قبل فترة من أن عليهم التوجه نحو دمشق وعدم التعويل على أميركا، فهل سيتعلمون؟