مسعود بارزاني والرهان على واشنطن!
| تحسين الحلبي
الكل يعرف وقادة حزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني لن ينكروا، أن الإدارات الأميركية كانت تقدم الدعم سراً لمشروع تقسيم العراق منذ عام 1962، ثم بدأ هذا الدعم يصبح علنياً أمام الجميع بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وها هو أقصى ما يمكن أن يحمله هذا المشروع في شمال العراق ينهار أمام كل من راهن عليه وعلى الإدارة الأميركية وما قامت به ضد كل شعوب المنطقة.
فالحكومة العراقية وجيشها والحشد الشعبي العراقي المقاتل تحت علمها، بدؤوا ينتقلون إلى نشر قوة عسكرية وشعبية قادرة على فرض النظام والقانون، وعلى أن تكون حكومة لجميع مواطني العراق من أجل بناء مستقبل مشترك لكل أبنائه ومكوناته، وإذا كان البعض يريد أن ينسى فإن التاريخ يذكر كل العراقيين وكل من يراهن على الدعم الأميركي العسكري والسياسي، وفي هذا الخصوص نشرت وكالة «رويترز» في عام 2008 أن عدد الضحايا العراقيين بعد خمس سنوات من احتلال العراق بلغ أكثر من 1,2 مليون بموجب دراسة غطت 15 محافظة عراقية من 18 محافظة فكم كان من بين هؤلاء أكراد عراقيون من المدنيين؟!
ألم يسجل التاريخ أن عاصمة فيتنام الجنوبية سايغون التي فرضت واشنطن تقسيمها عن فيتنام الشمالية منذ عام 1955 وحرضتها على محاربة الفيتناميين الشماليين طوال عشرين عاماً، انتهى وجودها بعد انتصار فيتنام الشمالية على الجيش الأميركي الذي أرسل نصف مليون جندي لحمايتها، وفرّ الأميركيون عام 1975 من سايغون وحدهم وتركوا وراءهم من كانوا يقدمون له الدعم ضد شقيقه الفيتنامي.
وها هي كوريا تقدم مثالاً آخر على التقسيم الذي فرضته الحرب الأميركية عليها منذ عام 1953 بين شمالية وجنوبية وبعد حرب دامت ثلاث سنوات فقد فيها الكوريون من الجانبين مليون ضحية من المدنيين والمقاتلين وقتل للأميركيين أكثر من 36 ألفا وأصيب 105 آلاف، ومن الصينيين الذين كانوا يدعمون كوريا الديمقراطية مليون من الضحايا علماً أن الولايات المتحدة جندت خمسة ملايين من القوات في تلك الحرب، وهذا السجل الأميركي الوحشي لتقسيم الشعوب واقتسامها من أجل المصالح الأميركية لا يدع مجالاً للشك بأن الإدارات الأميركية كانت تشكل بقواتها وتدخلها ودعمها للحركات الانفصالية في كل مكان أكبر آلات القتل الجماعي للشعوب في العالم.
منذ عام 1979 بدأت آلة الحرب الأميركية تطلق أكثر المجموعات المسلحة المتوحشة في الإرهاب، وهي المجموعات الأفغانية المتطرفة لمحاربة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ثم توظيف ما أنشأته من منظمات متشددة مثل القاعدة ثم داعش لمحاربة الدول المناهضة لسياستها في الشرق الأوسط، ورأت واشنطن في هذه الحروب مبررات للتدخل العسكري المباشر باسم محاربة الإرهاب.
وها نحن يتبين لنا أن آلة القتل الأميركية المباشرة أخذت تنتقل منذ عام 2001 من العراق إلى اليمن إلى باكستان بعد أفغانستان ثم إلى سورية باسم الحرب على القاعدة وداعش مع أن الهدف الأساسي هو إعادة تقسيم معظم دول الشرق الأوسط بالاستعانة بأكثر المجموعات ظلامية وتشدداً.
وإذا كانت الإدارات الأميركية تتخلى عمن تعهدت بدعمه ضد مصالح شعبه ووطنه فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً لن يتردد بالتخلي عمن كان يدعمه ضد الجيش السوري وللأهداف الأميركية نفسها في تقسيم العراق وسورية.
وهو في الوقت نفسه يقوم بتبديل الأعداء والأصدقاء بين وقت وآخر بطريقة ينتهي فيها إلى زيادة أعدائه مرحلة تلو أخرى، فهو من كان صديقاً لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني قبل كل هذه الأحداث المتلاحقة منذ عام 2011 وهو الذي دعاه إلى أنقرة واستقبله وعزز علاقاته معه وخصوصاً في عهد حكومة داوود أوغلو، وكان يستغل بارزاني للضغط على حكومة العراق بهدف التوسع على حساب الأراضي العراقية، ثم ها هو الآن يتراجع عن سياسته السابقة المتعاونة مع بارزاني ويحاول استغلال الظروف غير الطبيعية في شمال سورية وشمال العراق لكي يحافظ على أوراقه بين المجموعات المسلحة الإرهابية من جبهة النصرة وغيرها وكأنه لم يتعلم درساً من مراهنة الآخرين على الدعم الأميركي.
فأردوغان لا يصطدم بمشاكل وخصومات وأعداء داخل تركيا وما حولها فقط، بل داخل بيته الحزبي والعسكري نفسه، وأوروبا نفسها تتوقع أن يخسر كل شيء مرحلة تلو أخرى وخصوصاً بعد انقسام دول الخليج وانحيازه لقطر وما سيفرضه هذا الانحياز من مضاعفات.