الشيء بالشيء يذكر
| زياد حيدر
تظاهر المعارضون لانفصال إقليم كتالونيا عن البلد الأم إسبانيا، أمس الأحد، في رد على قرار الانفصال الأحادي الجانب الذي اتخذه برلمان الإقليم قبل ساعات من حله.
الإعلام الكتالوني الرسمي والخاص تحدث عن مظاهرة ضمت 300 ألف متظاهر ضد الانفصال، والإعلام الإسباني الرسمي والخاص تحدث عن مشاركة مليون و300 ألف متظاهر هذا النهار. الفرق مليون في تعداد الساحات، بين الطرفين.
قبل ذلك بأسبوع في مظاهرة للمؤيدين للانفصال عن إسبانيا، خرجت إحدى الناشطات لتتباهى بالعدد الكبير للحضور، مقارنة إياه بأعداد مؤيدي الدولة الإسبانية، الذين يزيد عددهم بفعل «الباصات التي تأتي محملة بالإسبان من مدريد»، ولكن أين سمعنا هذا من قبل؟!
طبعا على المقلب الآخر، يقول المؤيدون: إن الريف الكتالوني إضافة لفئة الشباب، هما السببان الرئيسيان في احتشاد الطرف الانفصالي، وذلك في تلميح لـ«قلة النضج السياسي لدى الفئتين، وتأثرهما بالبروباغاندا الإعلامية الانفصالية».
هذه البروباغندا بدورها لا تخلو من مفارقات، فبعد تلميح الحكومة الإسبانية قبل أسابيع بإمكانية تعليق الحكم الذاتي في كتالونيا، وزع الانفصاليون فيديو باكياً حزيناً بعنوان «ساعدونا» تتحدث فيه فتاة جميلة بعيون دامعة عن «القمع الإسباني الممارس على سكان الإقليم» مع فيديوهات وصور تركز على عنف الشرطة، في يوم الاستفتاء المثير للجدل.
طبعا للتوضيح، يتميز الإقليم وسكانه بحكم ذاتي ذي استقلالية تفوق أي نظير أوروبي له، ويدير نفسه تقريبا كدولة، لكن التحشيد لا يقبل سوى بالتحريض، ومنه القول: إن 900 شخص جرحوا في يوم الاستفتاء، علما أن وكالة «فرانس برس» لم تحصل سوى على توثيق 83 حالة، من وزارة الصحة الكتالونية، مع الإشارة أيضاً إلى أن حالة الهلع، وهي في أوروبا تحصل من صوت الألعاب النارية أحياناً، تعتبر حالة «إصابة» وفقا لتصنيفات آلة البروباغندا الإعلامية.
هذه الآلة تنشط على مستويات أخرى، فهي فيما تنفخ في سلبيات الطرف الآخر، تمهد طريقاً مملوءاً بالآفاق والآمال لدى جمهورها، فمثلا، يعتقد كثر من مؤيدي الانفصال أن دخلهم سيزيد بالاستقلال بنسبة مئة بالمئة، وأن طريق الاستقلال لن يكون صعبا كما يقال، فثمة فئة جاهزة لتأسيس ودعم مصرف الدولة الكتالوني المركزي، وهي مؤلفة من «لوبيات مالية يهودية»! ويا للمفاجأة.
بل أيضاً تقف روسيا بالظل بانتظار إعلان الانفصال، لكي تقدم نفسها داعماً رئيسياً للدولة الوليدة، وخلف روسيا من يأتي عادة؟ الصين، التي تحتاج مرفأ كتالونيا لدعم أسواقها في إفريقيا.
يعلو مؤشر البورصة المالية الافتراضية، فيما ينخفض بقوة واقعيا، حين يتم التذكير بأن كل هذا سيعيد الاتحاد الأوروبي صاغرا نادما، ليعلن قبول كتالونيا ضمنه، بسبب قوة الإقليم المالية، ففي النهاية القضية هي دوما «قضية مال ومصالح».
النتيجة الأخيرة، صحيحة بالمطلق، ولكن عناصرها تخضع لتبويب وتحريف كل طرف وفقا لمصالحه، وطبعا للإضاءة، غادرت 1800 شركة الإقليم هذا الشهر، وتراجع الاستهلاك 40 بالمئة وانقسم المجتمع بحدة، تنذر بعواصف من التصعيد، لكن الشيء بالشيء يذكر، أين حدث هذا من قبل؟ في كل مكان انقسم فيه مجتمع على هدف، يتقابل حشدان في الشارع، يهتفان بالخيانة ضد بعضهما البعض، تبدأ الانقسامات ضمن الأسرة الواحدة، وتلفق الأكاذيب، وثم…
لماذا يكرر هذا العالم نفسه كل مرة ولا تتعلم البشر؟ لا إجابة كافية.