الوعود وحدها لا تكفي
| زياد حيدر
لم تخلُ حرب من وعود تقريباً.
فالوعد هو عادة احتساب افتراضي لتوزيع الأرباح، لكي يعرف كل مساهم أين يقف في نهاية الصراع. والتاريخ مملوء بالوعود التي قدمتها دول لحلفائها، بمزيد من الأرض، أو الحصص التجارية، أو طرق إستراتيجية، وعروش. طبيعتنا البشرية أننا لا نفعل شيئاً من دون مقابل، والصهيونية فهمت، ومازالت تفهم هذا أكثر من غيرها، من الحركات، والصهاينة يعرفون هذا كبشر أكثر من غيرهم.
رغم ذلك، فإن طموحات الصهيونية العالمية، وربما أحلامها، لم تكن تصل إلى تخيل النتائج التي حققتها، في فلسطين الآن، علماً أن أحلامها مازالت أكبر من ذلك بكثير.
إن مقارنة بين خرائط فلسطين في فترات اشتعال الصراع وخموده، عبر مئة عام مضت، يبين مستوى الخسارة التي لحقت بنا، بوصولنا إلى صراع حول عشرات الكيلومترات، وحق الوجود بعدما كان «حق الوجود اليهودي» سلاح الصهيونية في المحافل الدولية، لسرقة كل أرض فلسطين.
تراجعت القضية الفلسطينية طبعاً، لمستوى لا يليق بهذا الصراع المأساوي، في قضية هي من أكثر قضايا الظلم الاستعماري.
وعلى حين تتضاءل فلسطين، ويتصارع الإخوة فيها على إدارة جزء من معابر محدودة، نبحث نحن، وبخطا سكرانة، عن اعتذار استثنائي يليق بظلم تاريخي، من بريطانيا.
الاعتذار إن حصل، وهو مستبعد حالياً، سيكون انتصاراً تاريخياً أيضاً، فهو الوحيد في تاريخ صراعنا مع هذا النمط من الاستعمار، وسيحق لنا أن نقيم حلقات دبكة في مختلف أراضينا المستقلة، ونسهر حتى الصباح.
لكننا لن نتمكن من الاحتفال، في شبر زائد عما سمح لنا المعتذر عن امتلاكه في فلسطين.
في كتبنا كان دوماً الحديث يجري عن صراع وجودي تاريخي، وسبل مواجهته بالصمود والمقاطعة، وبالسلاح أيضاً. جزء رئيسي من هذا الصراع حقيقة كان صراعاً جغرافياً. كل الحروب تقريباً حروب جغرافية. انظروا إلى سورية، جيداً، كيف تجري المعارك حول عدة أمتار وتستمر لأيام وأسابيع. الأرض هي الأهم، لأنك فيها ترسي دعائمك وتقيم دفاعاتك، وتتلقى علماً وتستبيح مساحة إضافية لخطط في البال.
لكن الأرض، كانت عنصر صراع في تعاطينا مع إسرائيل أكثر منها أهم عنصر صراع. ما يجري في الجولان بين جيشنا وحلفائه مع عملاء إسرائيل هو خير دليل. ما جرى في جنوب لبنان، حتى تحريره. العدو(إسرائيل وغيرها) يبحث عن أمتار إضافية، حتى لو استغرق الأمر شهوراً. فالأرض هي الواقع الملموس.
لكن إستراتيجيتنا كعرب لم تكن دوماً إستراتيجية أرض، فإحدى سبل المواجهة مع العدو، لدينا، كانت الانسحاب من أمامه، في المسابقات الرياضية، والمعارض التجارية، والمحافل الدولية (أحياناً) لا دفعه خارج هذه المساحات، باعتباره ظالماً، محتلاً، غاصباً لحقوق شعب. منذ وعد بلفور جرت عشرات الصراعات في المنطقة. بعضها كان مباشرة مع إسرائيل، وبعضها كان بوصايتها. و«نجحت» هذه الصراعات في تصدر الاهتمام الإعلامي، وخلق أزمات جديدة، لتجعل من قضية فلسطين، وحقوق شعبها، مسألة تناقش كـ «صراع نائم» في المحافل. وعد بلفور رغم وقاحته، لم يفعل بفلسطين أكثر مما فعلنا نحن بها. فمنذ أن منح هذا «الوعد» وحتى يومنا هذا، كنا السبب في تضاعف مساحة إسرائيل، وتنامي قوتها، اطراداً مع تقلص قدراتنا وتفرقنا. نظرة للعرب الآن، ونعرف أن وعد بلفور لم يكن سوى بوابة لغيرها من بوابات كثيرة للمنطقة.