حملة على التحرش
| زياد حيدر
منذ أيام خصصت وسائل الإعلام الأميركية قسطاً وفيراً من وقتها، لإعلان ثلاث نساء تعرضهم للتحرش الجنسي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. من اطلع ولو بسرعة على حياة الرجل فسيعرف أن هذا ليس غريباً عن طبعه، بل سمة من سماته المتأصلة.
طبعاً إعلام الرئيس نفى الأمر، لكن من دون قدرة على فعل أكثر، موضوع التحرش ليس جديداً في الولايات المتحدة والقوانين ضده صارمة، ولكنه مؤخراً تحول لحملة منظمة، ما سمح لمئات من حالات التحرش بالخروج للإعلام مصيبة بسهامها فنانين ومخرجين ومنتجين وسياسيين وإعلاميين من دون تمييز بين رجل وامرأة.
شخصياً أتوجس من الحملات، التي ترتفع تصاعدياً على طريقة الجداول البيانية، تفرغ شحنات اجتماعية وسياسية واقتصادية ربما ومن ثم تخبو أو تنفجر كفقاعة، لتعود الأمور كما هي عليه.
هذا ما دفع المخرج الأميركي الشهير وودي آلن للتحذير من تحول القضية لما يشبه قضية «ساحرات سالم»، وهي قضية شهيرة عن بلدة (1692) تعدم عشرات النساء حرقا بسبب ادعاءات ممارسة الشعوذة، في حكم استند بشكل أساسي للوعي الشعبي والديني المتخلف حينها. علماً أن آلن تراجع عن موقفه، بعد أن فهم من تحذيره ما يشبه التعاطف مع المتهمين، وهو أمر بدوره يذكر بالحملة المكارثية في الولايات المتحدة، التي كانت تؤدي حتى بالمتعاطف مع الشيوعية إلى ظلمة السجن.
وتأتي هذه الحملة وهي نسائية (بمعنى أن الضحية بشكل أساسي هي المرأة) في الوقت ذاته التي تفاجئنا كل عدة أيام قصة اغتصاب امرأة في الهند، في مكان عام، اغتصاباً جماعياً أشبه بطقوس شيطانية، هل يجتمع هذان العالمان؟
في قضايا الغرب عن التحرش، الإيحاء برغبة في التقبيل، أو دعوة للجلوس في حضن، وصولاً لحوادث أكثر جدية.
من جهتها في الهند، الشرق، نتحدث عن طقوس اغتصاب جماعية تجري أحياناً في باص نقل عام. علماً أن التعصب والمحافظة هما سمة المجتمع الثاني لا الأول، وثمن التعصب من دون أن تكون الهند مثالاً عاماً هنا وإنما استشهاد فقط، هو أن يصبح الطرف الأقل تمثيلا في المجتمع، أقل حقوقاً، ومن ثم أقل أحقية بالمطالبة بالعدالة.
في البلدان العربية، يخشى معظم النساء التشهير بالمتحرش. وثمة قضية شهيرة بمصر كلفت صاحبتها الكثير من التعب، في سبيل استدراج «العدالة» لمصلحتها، علماً أن القوانين الإلهية في جوهرها تقف إلى جانب الضحية، إلى جانب المظلوم.
ولكن الموضوع برمته من الأقوى؟ ومن يدير المجتمع؟ ومن صاحب التأثير الأهم؟
أعتقد بتواضع، أن سورية الآن، من دون تجاهل الحرب وآثارها، في مكان تستطيع فيه أن تحقق الكثير للمرأة، ولاسيما في هذا التوقيت اللحظي. من دون تسميتهن، لكن ثمة نساء كثيرات قديرات وفي أمكنة حساسة ومهمة للغاية في مفاصل القرار السوري. وهن يستطعن أن يمكن المرأة، في مجتمع لا ينتصر إلا للرجال بشكل عام. ومن حسن الحظ ربما أن هذه القضية تثار الآن وليس قبل عشر سنوات، حيث تحفل الذاكرة الشعبية بقصص تحرش لمسؤولين كبار، وصلت حتى ملامسة الضيوف الرسميين.
لكن جديا، تأتي أهمية هذه المسألة الآن، لكون البلاد على مفترق طرق، مجدداً، ولاسيما حين الحديث عن تسوية سياسية، ودستور جديد، والتأثيرات التي ستخضع لها هذه العملية. قد يكون الأمر جديراً بالتفكير وقد يكون هذا التوقيت المناسب.