فرصة دي ميستورا الذهبية!

| بيروت – محمد عبيد
عن أية فرصة ذهبية تمت إضاعتها في «جنيف 8» تحدث المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا؟ وهل يكفي الجلوس وجهاً لوجه على طاولة واحدة كي نهلل للنجاح في الوصول إلى تفاوض مباشر بين وفدي الحكومة السورية الشرعية وما يسمى وفد «المنصات المتحدة للمعارضة»؟
من الواضح أن دي ميستورا لم يستوعب حتى اليوم وبعد هذه التجربة الطويلة من التعاطي المباشر مع الأزمة في سورية، أن موضوعي المفاهيم والشروط المسبقة للتفاوض يشكلان أرضية أساسية بالنسبة للنظام في سورية للبناء عليهما في أية عملية تفاوضية يمكن أن يسير بها، ذلك أن هذا النظام يعلم علم اليقين أن تلك المفاهيم والشروط ستتحول إلى ثوابت سيتمسك بها الطرف الآخر، وأن هذا الطرف أيضاً سيتلاعب بها كورقة مناورة وابتزاز يحاول من خلالها فرض آلية انتقالٍ للسلطة وفق منطوق بيان «جنيف 1».
كذلك فإن قيادة النظام تثق بما لا يقبل الشك، أن ما يسمى بالمعارضة ليست سوى دمية تحركها أيدٍ موزعة بين أكثر من عاصمة إقليمية ودولية تسعى إلى إخضاع سورية وتدجين موقفها على الأقل فيما يتعلق بالقضايا العربية المصيرية، ما يعني أن مجرد استجابة دمشق لما سماه دي ميستورا فرصة ذهبية في ظل الظروف الميدانية القائمة والمعطيات السياسية التي تتبدل بين ساعة وأخرى ستؤدي حتماً إلى الانزلاق نحو مسار يوصل إلى الانحراف عن الثوابت الوطنية والمفاهيم القومية التي قام عليها هذا النظام منذ أكثر من أكثر أربعة عقود والتي ضحى واستُشهِد في سبيل الحفاظ عليها، عدد كبير من أبناء الشعب السوري وبالأخص جيشه، وبالتالي إلحاق سورية بركب ما يسمى «عرب الاعتدال» أي عرب التبعية للمشاريع الأميركية الإسرائيلية الذين أدخلوا الأمة العربية والإسلامية في أتون حروب جانبية دمرت شعوبها وجيوشها وعمرانها وزرعت الفرقة فيما بينها خدمة لتلك المشاريع التي لا يبدو أنه سيكون آخرها بيع القدس ومعها معظم فلسطين التاريخية للعدو الصهيوني.
إذاً التفاوض المباشر بين وفد الحكومة السورية الشرعية وبين ما يسمى وفد «منصات المعارضة» ليست عملية فولكلورية تبدأ أو تنتهي بأخذ الصورة التذكارية لينطلق بعدها قطار الحل بسلاسة وانسيابية، بل إن التفاوض المباشر محطة مفصلية جدية من المفترض الوصول إليها بعد تحرر وفد المنصات من أوهام عدة، واقتناعها بما يمليه عليها انتماؤها السوري على الأقل:
وأوله، إقرار وفد المنصات المذكور بعدم أحقيته لوحده إدعاء تمثيل شرائح المجتمع السوري كافة وبالتالي اعترافه بوجود تشكيلات معارضة أخرى تدعي التمثيل ذاته، وهو أمر يخضع لاختبار الانتخاب البرلماني الموعود في حال التفاهم على آلياته الوطنية السيادية، كذلك حق هذه التشكيلات في المطالبة بالانضمام إلى لقاءات جنيف إذا كانت ستُعتمد إطاراً وحيداً للحوار السوري السوري خصوصاً بعد تكشف المحاولات الأميركية لإسقاط فكرة عقد مؤتمر حوار وطني سوري في سوتشي.
وثانيه، الإعلان الصريح والواضح عن أن التغيير المنشود في الدستور والقوانين المرعية الإجراء حالياً في سورية، إنما يتم السعي لتحقيقه تدريجياً من داخل المؤسسات الدستورية القائمة، وليس من خلال الإرتكاز إلى بنود وردت في بيان «جنيف 1» أو غيره من البيانات والوثائق التي أقرتها تلك المنصات فيما بينها برعاية إقليمية ودولية مشبوهة، والتي تشكل إنقلاباً سياسياً على الواقع السوري السائر نحو إعادة الاستقرار والأمان على كافة الأراضي السورية والذي شهدنا نتائجه مسبقاً عبر تشريع أبواب سورية وحدودها أمام إرهابيي العالم ورعاتهم.
وثالثه، الإسقاط غير المشروط لمطلب بحث مصير الرئاسة في سورية واعتباره كأنه لم يكن، ذلك أن تحقيق المطلب المذكور بالإكراه يشكل اعتداءً على حق الشعب السوري في اختيار من يقوده، إضافة إلى أن تحقيقه بهذه الطريقة يعتبر سابقة خطرة على مستوى الحفاظ على مفهوم الدولة في وطننا العربي، هذا المفهوم الذي زعزعه ما يسمى مشروع «الربيع العربي» من دون أن يوجد بديلاً له سوى إدخال الدول العربية في فوضى الإرهاب والصراعات العرقية الطائفية والمذهبية.
ورابعه، وهو الأهم، التأكيد على موقع سورية القومي المقاوم في الصراع ضد العدو الإسرائيلي وفي مواجهة المشاريع الأميركية التي بلغت اليوم حد التماهي العلني مع مخططات هذا العدو، كذلك التمسك بدورها الإقليمي الفعال باعتبارها أحد أهم أعمدة الاستقرار والأمن في المنطقة انطلاقاً من تشبثها وحلفائها باستقلالية القرار وحفظ المصالح المشتركة.
تكون الفرصة ذهبية ولا يتوجب إضاعتها، عندما لا يكون الهدف منها منح غطاء سياسي لقوى تسعى منذ عشرات السنين للنفاذ إلى الداخل السوري، وحين لا تتغاضى عن احتلال عسكري أميركي أو بريطاني أو فرنسي أو تركي لأراضي الوطن.