زواج «أستانا» و«سوتشي» في إدلب
| سامر علي ضاحي
تشير تطورات المعارك في إدلب إلى استخدام الجيش السوري تكتيك «المطرقة والسندان» فعمد إلى تثبيت وجوده في ريف حلب الجنوبي القريب من الحدود الإدارية لإدلب وتحديداً في جنوب منطقة الحاضر وتقوية هذا الوجود، مع إشغال جبهة النصرة بمعركة أشرس وأقوى انطلقت فيها وحدات الجيش من شمال حماة وتوغلت في ريف إدلب الجنوبي الشرقي وصولاً إلى أبو الضهور، في سيناريو مكرر لمعركة استعادة أحياء شرق حلب أواخر عام 2016م.
ويعيد التقدم الذي يحرزه الجيش الذاكرة إلى اتفاق إدلب لتخفيف التصعيد الذي خرج للعلن منتصف أيلول الماضي خلال الجولة السادسة من محادثات أستانا والتي أشيع بعدها أن الاتفاق يتيح للجيش السوري مد سيطرته إلى مطار أبو الضهور العسكري، وبالتالي كل ما تحاول تركيا والنصرة ومن معهم من ميليشيات الترويج له على أن عملية الجيش في إدلب خرق لاتفاق خفض التصعيد عار عن الصحة، وما كانت لتنخرط في دعم الجيش في هذه العملية لو صدقت ادعاءاتهم.
ويمكن قراءة الحرص الروسي على التقدم الميداني لحليفه السوري وفق عدة اتجاهات:
الاتجاه الأول يتمحور حول محاولة حصول الروس على بطاقة لتشجيع الأطراف المختلفة من أجل المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي يمكن أن ينطلق في سوتشي أواخر الشهر الجاري بحسب بيان الجولة الثامنة من محادثات أستانا.
كما يمكن القول في الاتجاه الثاني إن الاندفاعة الروسية تأتي لرد الاعتبار أمام الجميع بعدما فشلت في جولة أستانا 8 في تجنب الفيتو التركي على مشاركة حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي العامل الأهم بالنسبة للروس حيث كانت تتيح مشاركة «الديمقراطي» الكردي اختلافاً نوعياً بين منصات «سوتشي وجنيف وأستانا» للحوار السوري السوري، واليوم يمكن اعتبار أن الرؤية الروسية تدور في فلك تعزيز الإنجازات الميدانية للرد على أنقرة وإيصال رسالة لها مفادها أن تعنتها في المواقف قد يستتبع خروج حلفائها المحليين من ترتيبات الحل النهائي في سورية.
ومن اتجاه ثالث فإن العامل الأميركي مستجد كبير لا يمكن إغفاله فواشنطن انطلقت مؤخراً ميدانياً وسياسياً للحفاظ على مصالحها الإقليمية انطلاقاً من سورية، وكانت وسيلتها لذلك قطع الطريق على الجهود الروسية فاستضافت ممثلين عن المسلحين الأسبوع الفائت، وحافظت على قواعدها في الجزء الشمال الشرقي من سورية، وتعمل اليوم على توجيه حراب متواصلة إلى سوتشي بدفع الأطراف المعارضة والقوى الدولية الحليفة معها باتجاه رفض المشاركة في المؤتمر.
أما المستجد الأهم في هذا الاتجاه فهو الهجومات المتكررة مؤخراً التي تعرضت لها قاعدة حميميم الروسية في جبلة باستخدام طيارات من دون طيار أكدت موسكو أنها انطلقت من مناطق في جنوب غرب إدلب واتهمت أميركا بالوقوف خلف الهجوم، وباتت الرغبة الروسية بالانتقام من النصرة والمسلحين أكبر من ذي قبل ورأت في إدلب ساحة مناسبة لتنفيذ الانتقام إضافة إلى دخولها السريع في معركة إدارة المركبات بحرستا شرقي العاصمة، وفي المقابل قد يكون التصعيد الروسي لجذب الأميركان إلى سوتشي.
الاتجاه الرابع هو مواقف القوى الإقليمية الأخرى فلا تبدو اليوم إيران جاهزة للحضور في سوتشي وهي تشهد مظاهرات احتجاج سواء خفت حدة التظاهر أم لم تنخفض، وبالتالي فإن نصراً جديداً لحليفها السوري في إدلب يمكن أن يساعدها في تصدير الأزمة إلى الملف السوري.
ومن جملة المقدمات السابقة يمكن التكهن بأن الجيش لن يقوم بأي خطوات لاحقة في الفترة القليلة المقبلة باتجاه مدينة إدلب نفسها أو حتى ريفها الغربي حتى الانتهاء من مؤتمر سوتشي أو تأجيله كما تشير جملة التطورات الحالية.