انطلاق مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية».. وتركيز على ترسيخها … حمد لـ«الوطن»: آن الأوان لكي نفكر بمقومات ومكونات هويتنا السورية
| موفق محمد
شدد أكاديميون وباحثون، على ترسيخ الهوية الوطنية السورية وتحديد عوامل قوتها بحيث تكون جامعة وأكثر فاعلية في توحيد المجتمع والعوامل التي تهددها، في حين اعتبرت الأستاذة في قسم الفلسفة بجامعة دمشق د. إنصاف حمد أنه «آن الأوان لكي نفكر بمقومات ومكونات هويتنا السورية».
وبدأت أمس أعمال مؤتمر «الهوية الوطنية: قراءات ومراجعات في ضوء الأزمة السورية»، الذي يقيمه «مركز دمشق للأبحاث والدراسات – مداد» بمشاركة وحضور حشد كبير من الأكاديميين والمهتمين ورجال العلم والمعرفة وأساتذة الجامعات، وعدد من المسؤولين في الدولة وأعضاء بمجلس الشعب ورؤساء تحرير للصحف الرسمية وذلك في قاعة أمية بفندق شيراتون دمشق.
وهذا أول مؤتمر من هذا النوع يتعلق بمسألة الهوية الوطنية، يعقد خلال الحرب التي تشن على سورية منذ نحو سبعة أعوام والتداعيات التي خلفتها على الدولة والمجتمع في مختلف المجالات.
وفي تصريح لـ«الوطن» على هامش المؤتمر، قالت حمد رداً على سؤال حول التأثيرات التي لحقت الهوية الوطنية في أوساط الشعب السوري بسبب الحرب، وإن كانت سورية قادرة على تجاوز هذا التأثيرات، قالت: «يجب أن تكون قادرة، وإلا فستكون هذه الحرب قد حققت أهدافها».
وأوضحت حمد، أنه «في فترة الأزمات المصيرية كالأزمة التي تعيشها سورية الآن، يكون من الواجب طرح الأسئلة الصعبة والتصدي لمحاولة إجابات حولها، وليس بالضرورة أن تكون الإجابات كافية ووافية ومحض إجماع، لكنها مساحة للتفكير».
واعتبرت حمد، أنه «آن الأوان لكي نفكر بمقومات ومكونات هويتنا السورية، وهذا لا يعني عندما نقول سورية أولا، إنها سورية فقط، ولكن عندما تكون مكونات الهوية السورية واضحة غير متناقضة وغير متعارضة مع انتماءات أعلى، فهذا يجعل انتماء سورية أو الهوية السورية إلى هويات أعلى أقوى وأوضح وأسلس أيضاً، أما إذا بقيت غامضة وملتبسة فهذا يعني مزيداً من الضياع والتشتت».
ورأت حمد أن تمتين الهوية السورية، يحتاج إلى «فض الغموض حولها، وتعريف واضح ومحدد، ليس بالضرورة نهائي، يغتني باستمرار بالتجربة التاريخية للسوريين، ولكنه يحتاج إلى تأطير وتعريف واضح محض إجماع من السوريين، يتكرس بنصوص دستورية وقانونية ومؤسسات ومناهج تعليم ووسائل إعلام من أجل أن يتم التعامل مع مآلاته وآفاقه بشكل واضح وصريح».
وفي كلمة له خلال الافتتاح كان مدير مركز «مداد» هامس زريق أوضح أن الهدف من المؤتمر مقاربة مفهوم وإشكاليات الهوية الوطنية معرفياً وعملياً ودراسة التحولات والتطورات التي طرأت عليها في ضوء تحديات الأزمة الراهنة في سورية.
ولفت إلى أن المؤتمر خطوة في طريق وضع رؤية استشرافية حول الاستجابة الممكنة لتحديات الهوية بكل أبعادها مستقبلاً بما يخدم المصلحة العليا للوطن.
وقال: «في هذا المؤتمر نطلق شرارة البحث في سؤال تقليدي وجوهري عادةً ما يبرز أثناء الحروب والأزمات ولكن الجواب عليه ليس تقليدياً البتة ويحتاج إلى تضافر جميع الجهود في فعاليات لاحقة لمعالجته وعملاً حثيثاً ومستمراً علنا نجد الطريق الصائب لتفكيك المفهوم ومقاربته علمياً بما يخدم مصلحة الوطن بكل أطيافه».
من جانبه وفي كلمته التي جاءت بعنوان «لماذا مؤتمر الهوية الوطنية»، أوضح د. عقيل سعيد محفوض أن أول ما تم استهدافه في الأزمة السورية هو الهوية، وكانت الهوية هي أول أداة من أدوات الحرب ومن المحتمل أن تكون الهوية آخر ما يمكن بناؤه أو إعادة بنائه، إن أمكن ذلك بالفعل.
ورأى أنه «إذا كان الحديث عن الهوية بوصفها أداة من أدوات الحرب مفهومها، فقد يكون الأولى هو الحديث أو التبصر والتدبر والمداولة في الهوية – الهويات الممكنة بوصفها مُخرجاً من مُخرجات الحرب. وحتى لا يشكل الآخرون هويتنا الوطنية، أو يهيئون الظروف لترجيح هوية أو أنماط للهوية بعينها، فإن تدبير السياسة يتطلب العمل على تقصي الأفكار والبدائل الممكنة لهوية وطنية، انطلاقاً من خبرة وتجارب الأزمة السورية».
وفي ورقتها إلى المؤتمر أشارت د. حمد، خلال الجلسة الأولى، إلى موضوع الهوية السورية بالتعريف وأنه لا يمكن اعتماد منظور سكوني لمقاربة الهوية، وأن هناك فرقاً بين الهوية الواحدة والهوية الموحدة، في حين قال د. حليم أسمر في ورقته: «فلسفة الهوية»: «هويتي ليست كليشة جامدة، هويتي تعني الأنا والأنت والنحن».
وأعرب أسمر عن اعتقاده بأن الهوية تكتسب أهميتها من خلال المجتمعات والتنوع، وشدد على أن النمطية في الهوية لا تؤسس إشكالية، وأن الهوية لا تجزأ ولا توزع حصصاً للطوائف وإنما هي واحدة.
وبينما رأى د. محمد طاغوس، أن الهوية هي مفهوم ممتنع عن التعريف، واعتبر د. عماد فوزي شعيبي أن «الهوية تصير بنا وبالآخرين ولهذا فهي مستقبلية وليست ماضوية».
من جانبه رأى د. وفيق سليطين أن « الهوية معرّفة بالتعدد ومفتوحة على الاختلاف بمعنى أنها نسيج علائقي متفاعل متحول بتحول الظروف»، على حين اعتبر د. فاروق اسليم أنه «مع انكسار المشروع العربي انتقل السؤال من: لماذا لا نتوحد؟ إلى السؤال: من نحن»، على حين رأت د. أشواق عباس أن الهوية، هي كل شيء مشترك بين أفراد مجموعة محددة، أو شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام لدولة ما، ويتم التعامل مع أولئك الأفراد وفقاً للهوية الخاصة بهم.
من جهتها اعتبرت د. نورا اريسيان، أن، «الأرمن في سورية يمثلون نموذجاً في التنوع الثقافي للمجتمع السوري، وأنه رُغم البعد العروبي في سورية، فقد تم الحفاظ على التراث الأرمني حيث تمتع الأرمن بحقوقهم وواجباتهم الكاملة»، على حين رأى المعارض فاتح جاموس، أن «أي هوية وطنية جديدة غير قائمة على فكرة الدولة الديمقراطية المعاصرة، وتفوق نشاط المجتمع المدني فيها، واعتماد أكثر ما توصلت إليه البشرية ثقافياً وسياسياً وحقوقياً في قضايا الديمقراطية والمواطنة ودور النساء، هي هوية متخلفة ومنقوصة، وستعود لتفتح تناقضات وصراعات وطنية غير مستقرة»..
ويتضمن المؤتمر الذي يستمر يومين عدة جلسات يناقش فيها المشاركون مواضيع عدة منها فلسفة الهوية والأنا والذات والآخر والعوامل التي تهدد الهوية الوطنية وعلاقتها بالدراما السورية والمناهج التعليمية وذلك بمشاركة خبراء من أساتذة جامعات وكتاب ومفكرين وباحثين في هذا الشأن من سورية.