الدب والكرم
| زياد حيدر
ما يجري في الشمال السوري هو عدوان يجب ألا يعترينا شك. وما تقوم به سلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هو مشروع احتلال عسكري، لأراض سورية، وهذا لا يحتاج البحث عن توصيف مختلف.
وما قامت به سلطة ذلك الرجل من جرائم رهيبة بحق سورية، يمحو كل ما قامت به قبل ذلك من حسنات، وتلك الحسنات التي تعود لزمن مضى قبل الحرب بات الجدل فيها ممكناً، بعد أن كان غير محبب في وقتها.
ثمة حسنة وحيدة، لكن يمكن التوقف عندها، تتمثل في أنه ثبت لدينا أمران، أن تركيا ليست أردوغان وبطانته وخدمه المطيعين فقط، ولكن ثمة تركيا أخرى تؤمن بحسن الجوار، وتعرف حدودها بكل ما تعنيه هذه الكلمة، كما تعرف حقوق الآخرين.
وربما الأمر الثاني، تمثل في كشف ما يمكن أن تذهب به السياسة على صعيدها الاقتصادي، من جانبين. الجانب الإيجابي المتمثل بالانفتاح بكل أشكاله، والسلبي الناتج عن هذا الانفتاح، حين تكون آلتك الإنتاجية غير قادرة على المنافسة الحقيقية.
كنت من بين آخرين مشوا «حرفياً» خلف رجل أردوغان حينها «وبات خصمه الآن» أحمد داوود أوغلو حين رفعت الحواجز الحدودية بين حلب وغازي عنتاب، منذ تسع سنوات، وحينها تغدينا في حلب أتراكاً وسوريين، وتعشينا في غازي عنتاب.
وكنا أيضاً مع آخرين، على تلك الطائرة التركية التي كانت تسيّر رحلات داخل تركيا فقط، ولكن استثناء رحلة أسبوعية دائمة إلى حلب. وكان الأتراك يتغامزون من خلف ظهرنا بأن حلب «كأنما يجب أن تكون جزءاً من تركيا».
طبعاً لم ينجح أردوغان، في سياسته الانفتاحية مع سورية، بحكم النتائج الحالية، وبعد أن كان يعمل جيشه على إزالة الألغام على الحدود بين البلدين، بنى جداراً على طولها، ودخلت قواته محتلة أراضينا.
وأستطيع الجزم أنه لن ينجح في سياسته العدوانية التوسعية، حالياً، بحكم نتائج معركة حلب العام الماضي، والمعارك التي ستليها مستقبلاً، وهي قادمة، والفرق بين عوامل القوة القائمة بين الطرفين هو فرق جوهري.
من بين أهم جوانبه، هو أن تركيا أردوغان الحالية، هي تركيا رجل واحد، ستزول سياسته بزواله. بينما أرضنا سورية، وأهلها سوريون، من قبل ومن بعد، وهي لن تستسلم، حتى وإن هزمت.
كان رئيس وزراء بريطانيا الشهير وينستون تشرشل حين يحشر في زاوية ضرورة التفاوض مع ألمانيا أدولف هتلر يقول: «الأمم التي تهزم وهي تقاتل تقوم مجدداً، لكن أولئك الذين يستسلمون ينتهون».
لذلك فإن صور «العابرين» حملة الأعلام التركية في بعض مناطق الداخل مزعجة، ومؤلمة، ولكن هل مر محتل إلى بلد دون مساعدة من بعض أهل ذلك البلد؟
الخيانة، والنفاق، والاستغلالية وقصر البصر، وانعدام البصيرة من صفات البشر الطبيعية.
وأيضا، بينما نتحدث عن عفرين ومناطق الشمال الشرقي هي الأخرى، هل سبق أن طمحت جماعة «معزولة جغرافياً وديمغرافياً وعسكرياً» في بلد، لتأسيس حكمها المستقل بحماية من أجنبي محتل آخر، لا يمت لثقافتها بصلة؟
فهذا أيضاً حصل. لكن إن كان المنتصر هو من يكتب التاريخ فالسؤال من يقرؤه؟ التاريخ البعيد والتاريخ القريب، وهل ثمة من عاد لما هو أبعد من ذلك، ليعرف أن التجارب المعزولة لا تعمر، فحسب، بل تذهب بأصحابها أيضاً.