إسرائيل وخياراتها الضيقة أمام سورية
| تحسين الحلبي
العامل السابق في قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية ومدير مركز «بيكوم الإسرائيلي البريطاني للاتصالات والأبحاث» كاليف بن دور رأى في 11 شباط الجاري أن «ما حدث قبل إسقاط الجيش السوري لطائرة إف 16 هو أن إسرائيل أرادت إعطاء رسالة لدمشق وموسكو بأنها تحمل إيران المسؤولية وأن مصالح الأطراف الثلاثة روسيا وسورية وإيران تلتقي ضد إسرائيل.
وهذا ما سوف يؤثر في المنطقة، لكن بن دور أضاف: إن مركز «بيكوم» كان قد أشار قبل شهر إلى أن غياب الدور الأميركي المؤثر وتوسيع إسرائيل لجدوى عملها في منع الوجود الإيراني الدائم في سورية يزيد من احتمالات وقوع صدام عسكري مع إيران لأنه من غير المحتمل عزل إيران بشكل كامل عن دعم سورية، وأن إيران وسورية تدركان ذلك وستحاولان ردع إسرائيل عن تحقيق هدفها.
هذا يعني أن القيادة الإسرائيلية ستضع على جدول عملها تنفيذ قواعد لعبة عسكرية على «نار هادئة» ولأهداف تكتيكية محدودة بسبب عجزها عن تغيير ميزان القوى الذي فرض نفسه لمصلحة أطراف محور المقاومة سورية وإيران وحزب الله، ولذلك أضاف بن دور: إن «أزمة ما بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية قد انتهت على ما يبدو حتى الآن، لكن العوامل الاستراتيجية للصدام ما تزال من دون تغيير ومن غير المحتمل أن تكون الاشتباكات التي وقعت قبل وبعد إسقاط الطائرة هي الأخيرة».
ولعل الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه مما يقوله بن دور هو أن إسرائيل لا يمكن أن تفكر بحرب شاملة أو متوسطة الحجم ضد «جبهة الشمال» إلا إذا شاركت بشكل مباشر فيها القوات الأميركية، وهذا ما يشير إليه بن دور حين يتحدث عن «غياب الدور الأميركي المؤثر أو القوي في المنطقة»، وهذا يعني أن عصر إسرائيل في شن الحروب «الاستباقية الوقائية» علناً وحدها قد انتهى، وأصبحت أي حرب مباشرة شاملة تريد خوضها في المنطقة تستلزم مشاركة أميركية مباشرة فيها، وهذا من شأنه وضع المنطقة والعالم أمام تصعيد لا تحتمله واشنطن والعالم بسبب الوجود الروسي العسكري الداعم لسورية وإيران في الوقت نفسه.
إن ذلك يعني أن أي حرب إسرائيلية مباشرة متوسطة الحجم عسكرياً ضد جنوب لبنان وحده على غرار حرب تموز 2006 أصبحت تشكل خسارة بشرية لإسرائيل وفشلاً في تحقيق أهدافها ولو انحصرت في جناح واحد لجبهة الشمال ولم تمتد إلى الجناح الثاني في جبهة حدود الجولان المحتل مع سورية، وهذا ما يجعل إسرائيل أمام هامش ضيق للمناورة وفي وضع تنتظر فيه القرار الأميركي وما يقدمه لها في هذا الشأن.
بالمقابل يرى المختص بشؤون سورية في جامعة تل أبيب ومركز دايان للدراسات البروفيسور إيال زيسير أن «روسيا وإيران ستستمران معاً في توسيع دائرة الدعم لسورية وتستفيدان من غياب الدور القيادي الأميركي المؤثر في المنطقة، ولن يكون بمقدور دول النظام الرسمي العربي وتركيا في هذه الأوقات التحول إلى قوة إقليمية موازية للتحالف الإيراني السوري الذي تعتبره روسيا عامل توازن في المنطقة على حين تعتبره إسرائيل ومعها بعض الدول العربية خطراً عليهم».
ويتوقع سفير بريطانيا في سورية ما بين 2006 إلى 2007 وسفير بلاده في العراق ما بين 2009 إلى 2011 ثم في ليبيا إلى أن أصبح سفيراً لبريطانيا في السعودية عام 2012، السير جون جينكنز، أن يجري «التركيز وتسليط الأضواء في عام 2018 على منطقة جنوب سورية التي تعد من المناطق التي تشهد اهتماماً من إسرائيل والسعودية والأردن مقابل سورية وحزب الله وإيران».
ويبدو أنه نسي أو تناسى أن السعودية في أشد أزماتها الداخلية والخارجية سواء مع حلفائها قطر وتركيا، أم مع خصومها وأعدائها، أما الأردن فلن يجد أي مصلحة في مواضيع تخرب علاقاته مع سورية لأسباب كثيرة، ولذا لم يبق سوى إسرائيل وحدها في أي مشروع يهدد جنوب سورية وستجد أن الجيش السوري وحلفاءه في أعلى درجة الجهوزية في مجابهة أي عدوان أو تدخل عسكري.