شرف الصفعة الجوية
| زياد حيدر
في مقالته لصفحته الالكترونية الخاصة يتساءل صاحب جريدة «السفير» المحتجبة، الأستاذ طلال سلمان عمن سيحمل شرف «إطلاق الصاروخ الثاني»؟ وذلك في تعليقه على إسقاط قوات الدفاع الجوي السورية أول طائرة إسرائيلية بعد عقود من القرصنة والاعتداءات من دون رد يذكر، على المستويين المحلي والعربي.
خلال سنوات عملي، سمعت دوما حجتين متعاكستين عن الصراع مع العدو الإسرائيلي، الأولى تتمثل في اعتماد خليط متواز من الردع الدبلوماسي، وعمل الأذرع الجانبية، وكانت في تلك الأوقات من لبنان، وفلسطين، والثانية، وإن بدت غوغائية، الترويج لفكرة احتدام مباشر مع العدو (بعبارة حرب الصيف المقبل أو صيف ساخن) يوصل الأمور إلى ذروة البحث عن حل نهائي ودائم كما جرى في عام 1973، وسمعت خلال مسيرة العمل لعقدين حججاً وآراءً من طرفي الموقفين، وحسابات اقتصادية وسياسية وديمغرافية مرتبطة بهما. ومع أن الحرب الحالية، ضيقت الخيارات، وباتت تتطلب حسابات مختلفة، إلا أن ما ظل غائباً عن كل مواقف إدارة الصراع مع إسرائيل هو ما جرى السبت الماضي.
كان ضرورياً سابقاً، منذ عقود، كما هو جوهري الآن هزّ العرش الجوي لهذا العنصري المتغطرس على حدودنا الجنوبية. كان أساسياً أن تسقط هذه الطائرة وغيرها، لتصبح كل مناورات ونظريات الردع الإسرائيلية مهزوزة الثقة، ومن بعدها سواء جرى التفاوض أم لم يجر يوماً ما، تكون عوامل القوة متوازنة، وفي خدمة الحل النهائي.
كما قلنا، وكما يعرف الجميع، الميدان في سورية، مختلف الآن، ومعقد، وفيه تشابك مصالح قوى إقليمية ودولية كثيرة، وجميعها تقريباً كدول تفوقنا تجهيزا وقوة، ولاسيما بعد سبع سنوات من الحرب والاستنزاف، والخيانات الجماعية والفردية.
لكن من خصال السياسيين الحميدة (إن صح القول) أنهم يبحثون دوماً عن الجانب المضيء(تجاوزاً) من الوقائع، والمقصود، كيف توفر التطورات عناصر خدمة جديدة لمصالحهم، ربما لم تكن مرئية أو موجودة في السابق؟
من هذا الباب، الميدان السوري، رغم تشابكه، فتح المجال أمام قدرة ردع جديدة مع الصهيونية تتمثل في تجميد نشوة الازدهار والاستقرار المحلية السابقة، نحو محاولة إرساء نظريات ردع جديدة، بعد أن وصلت مستويات الحرب وانعدام الاستقرار المختلفة لما كان صعباً تخيله سابقاً، ما يعني ترسيخ التعامل الندي مع إسرائيل بالطريقة ذاتها التي يتم التعامل بها مع «داعش» و«النصرة» وكتائب إسرائيل الأخرى ذات الأسماء المتنوعة، والأعلام المختلفة.
رغم ذلك فإنه، من الواقع أيضاً القول: إن صواريخ السبت الماضي أطلقتها يد ارتقى وعي صاحبها خارج سياق الحرب السورية، متقدما عنها عقودا من الزمن، أو متخلفا عنها عقودا، نظرته الرئيسية وجوهر عمله منصب (كما يجب سابقا وحاضرا ومستقبلا) على العدو الخارجي الرئيسي، والأول، الدخيل إسرائيل.
وسواء كان الصاروخ الذي أطلق حديثاً أم لا، قديماً معدلاً تكنولوجياً أم لا، بسيطاً أو معقداً، إلا أنه بعث بطاقة من الأمل تبدد اللاجدوى التي حكمت أيام هذا الصراع، حتى إن بعضنا نسيه.
وبات بإمكاننا القول إن ثمة جدوى، وإن نصراً ما ممكن، وذلك دون نسيان أن انتصارات محدودة حصلت سابقاً، وأن تكرارها ضروري، وأن عزيمتها يجب ألا تلين، وأن دفع أثمان أي انتصار لا بد منها وهي وإن كانت مكلفة الآن، فهي أقل من أثمانه المكلفة بعد غد.