في ذكرى الوحدة.. دمشق منارة النهوض القومي
| قحطان السيوفي
وردني بالبريد الالكتروني رسالة من قارئ من المغرب العربي يقول: «كان لإسقاط الطائرة الإسرائيلية بدفاعات الجيش العربي السوري أثراً ايجابياً كبيراً في رفع معنوياتنا كعرب خاصة مع اقتراب ذكرى وحدة مصر وسورية، فتحية لسورية العربية جيشا وشعبا».
لقد كان لقيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 وانفصالها عام 1961 آثار سلبية على المناخ السياسي الذي يسود العالم العربي في ذلك الوقت، وكان تأثيرها أشد في الصراع العربي الإسرائيلي قبل 60 عاماً من الآن، وعلى ضوء الإجماع الشعبي في مصر وسورية، واللقاء الفكري بين قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي والرئيس جمال عبد الناصر، اجتمع مجلس النواب السوري ومجلس النواب المصري في جلسة مشتركة وأصدرا بالإجماع بياناً وجها فيه دعوة إلى حكومتي البلدين للاجتماع وتقرير الاتحاد بين الدولتين، واجتمع رئيسا البلدين وأصدرا بياناً أعلنا فيه قيام الوحدة بين مصر وسورية في 22 شباط 1958.
جرى استفتاء شعبي على الوحدة وتم توحيد القطرين في دولة واحدة تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة» وعاصمتها القاهرة، وتم انتخاب جمال عبد الناصر رئيساً، ووُضع دستوراً جديداً لها، وحكومة مركزية، أما السلطة التشريعية فقد تولاها مجلس الأمة المكون من نواب يعين نصفهم رئيس الجمهورية والنصف الآخر يختاره من بين أعضاء مجلس النواب السابقين في سورية ومصر، وأعلنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي حل الحزب، وألقى عبد الناصر خطاباً قال فيه: «سورية قلب العروبة النابض، حملت راية القومية العربية، وكانت دائماً تتفاعل من عميق القلب مع العرب في كل مكان…».
على الصعيد الداخلي حققت تجربة الوحدة، منجزات اقتصادية كبيرة من أهمها بداية لمشروع سد الفرات، وتأميم العديد من وسائل الإنتاج والخدمات، والإصلاح الزراعي، إضافة لحماية سورية من تهديدات الأحلاف الاستعمارية التي كانت تتربص بها.
حدث الانفصال بعد ثلاث سنوات إثر انقلاب عسكري في دمشق يوم 28 أيلول 1961، ونفذت الانفصال القوى الرجعية المحلية المتضررة من الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة الجمهورية العربية المتحدة وبدعم وتمويل من القوى الرجعية العربية وهي الدول ذاتها التي مولت وتمول الحرب الإرهابية الحالية على سورية، وبعض هذه الدول يسعى اليوم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
والواقع، رغم أن العرب تجمعهم وحدة اللغة والتاريخ، فإن كل المحاولات الوحدوية في العصر الحديث لم تنجح ولم يتمكن العرب من الوصول إلى ما وصل إليه الأوروبيون بقيام الاتحاد الأوروبي لأسباب عديدة منها شمولية معظم الأنظمة وغياب الدّيمقراطية، وتغليب المصالح الشخصية والقطرية على المصالح العامة والقومية، وتبعية معظم حكومات الدول العربية لأجندات وتعليمات استعمارية غربية، ناهيك عن علاقات بعضها المباشرة وغبر المباشرة مع إسرائيل.
المشروع النهضوي العربي؛ مشروع حضاري يعتمد الفكر القومي العربي لقيام الوحدة العربية في ظل إخفاق المشاريع القطرية العربية، ومن أهم المكونات الأساسية للمشروع؛ الوحدة العربية في مواجهة التجزئة، الديمقراطية في مواجهة الاستبداد، التنمية في مواجهة الفقر والتخلف والتبعية، العدالة الاجتماعية في مواجهة الاستغلال، الاستقلال الوطني والقومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية والمشروع الصهيوني.
يهدف المشروع لتكثيف الجهود الفكرية والفعاليات الثقافية والسياسية في سبيل تدعيم الوجود القومي، وفي ظل ما سمي الربيع العربي الأسود الموجه والممول من القوى الغربية وإسرائيل وحلفائهم الإقليميين، وفي ظل الحرب الإرهابية على سورية، تبقى الجماهير الشعبية العربية الضمانة الأساسية للمشروع النهضوي، كما أن فكر حزب البعث العربي الاشتراكي حامل أساسي للمشروع النهضوي العربي الشامل، وهو يكرس الانتماء كحالة وعي وليس مجرد شعور مع وضع آليات وخطط واضحة للعمل القومي، وضرورة الحوار، بالمقابل فإن هدف الحرب على سورية لم يكن ضرب بنيتها التحتية وقدراتها العسكرية والاقتصادية فحسب، بل كانت تهدف أيضاً لتدمير وضرب الانتماء القومي للإنسان العربي، لجعله في حالة يأس وبؤس لينفذ ما يفرض عليه.
العقيدة القومية شكلت الدافع الأساسي للجيش العربي السوري في حربه على التنظيمات الإرهابية، وأسقطت كل الطروحات السياسية التي كان هدفها تصفية كل ما هو عربي في ثقافتنا، وهذه العقيدة هي التي مكنت الجيش العربي السوري من تحقيق الانتصارات على الإرهاب.
المؤامرة الكونية الإرهابية الكبرى التي تعرضت لها سورية وقادتها ومولتها أميركا وإسرائيل وحلفاؤهم الإقليميون، كانت تهدف لإسقاط الدولة السورية لكن سورية الدولة والوطن بجيشها وشعبها صمدت وأسقطت المؤامرة، وكان العدوان العسكري الإسرائيلي المباشر على الجيش العربي السوري دليلا على دعم إسرائيل للتنظيمات الإرهابية، وكان قرار القيادة السورية بالرد حاسماً، وجاء إسقاط الطائرة الإسرائيلية، ليؤكد أن دمشق باتت قادرة بعد سنوات الحرب السبع التي استنزفتها على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وأن قواعد ومعادلات اشتباك جديدة بدأت تتشكل بعد انتصارات الجيش وإحباط المشاريع الإرهابية التي اختيرت سورية ساحة لتنفيذها.
تعليقاً على رسالة القارئ العربي أقول بعد التحية: لقد صمدت سورية أمام المؤامرة الإرهابية وستتصدى لكل عدوان، وتبقى سورية بشعبها وجيشها متمسكة بعقيدتها القومية، وعاصمتها دمشق منارة للفكر النهضوي القومي.