خطاب بوتين يدشن مرحلة تنهي النظام العالمي الأميركي
| تحسين الحلبي
يبدو أن لهجة التهديد المتصاعدة التي بدأ يستخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه سورية وروسيا معاً منذ أيام قليلة واتهام سورية باستخدام سلاح كيميائي أو «بقتل عدد من المدنيين في الغوطة» تحولت إلى نوع من «سلاح ردع» تسعى الإدارة الأميركية إلى استعماله بشكل مكثف وواسع لمنع سورية من تحقيق آخر مراحل الانتصار على داعش والنصرة والقاعدة والمجموعات الشبيهة المتحالفة معها في منطقة دمشق.
ولتعزيز حملة التهديد الإعلامية وما تعلنه من اتهامات أصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه أنه بعد اتصالاته بقادة ألمانيا وفرنسا قررت الولايات المتحدة «تنبيه روسيا» من الوضع الذي يجري في الغوطة وهذا «التنبيه» يعني بالمفهوم السياسي تهديداً بمستوى معين، وكأن ترامب يريد أن يبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن باريس وبرلين، أي أوروبا، ستقف إلى جانبه فيما يحمله هذا التهديد من معنى ضد سورية وروسيا معاً.
لكن السؤال الذي يطرحه الكثيرون من المتتبعين للعلاقات الدولية في الولايات المتحدة وأوروبا هو: «هل تكفي وسائل الردع الإعلامية وما تحمله من تهديد لسورية وروسيا ومعهما إيران لمنع استكمال انتصار سورية وحلفائها في هذه الحرب على الإرهاب»؟
يرى هؤلاء أن خطاب الرئيس بوتين وما جاء فيه يشكل قدرة ردع ستجعل من روسيا مرة أخرى قطب قوة كبرى عالمية لن يكون بمقدور الولايات المتحدة إلا التعامل معها بهذا المقياس وهذا ما ذكرته في الأول من آذار الجاري صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بقلم ماك فاركهار وديفيد سانجر.
وكانت طريقة العرض التي قدم فيها عدداً من الأسلحة الروسية الاستراتيجية ونوعيتها غير المسبوقة من ناحية التكنولوجيا والقدرة، قد جعلت المعلقين العسكريين في الولايات المتحدة يندهشون من الثقة التي تحدث فيها عن هذه الأسلحة وخصوصاً الصواريخ والرؤوس النووية، وكان خطابه موجهاً للولايات المتحدة قبل أن يكون موجهاً كحملة إعلامية لجمهور روسيا الاتحادية، ولذلك ترى صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن الرئيس الأميركي ترامب لن يعرف الآن كيف سيجري تعديل «خطاب الأمة» الذي يوجهه كل عام للشعب الأميركي لاستعراض سياسة القوة والهيمنة التي يستخدمها الرؤساء الأميركيون لإرهاب العالم.
كان من اللافت في خطاب بوتين عدم التطرق إلى النزاع مع أوكرانيا لكنه تطرق إلى سورية حين أثنى على الدور الذي قامت به الوحدات الروسية العسكرية ومهارتها في تنفيذ العمليات وقدرة الجيش الروسي المتعاظمة وكأنها رسالة موجهة إلى ترامب، بعدم اللعب بالنار في سورية، وتطرق بالروح ذاتها إلى ما يجري في الغوطة الشرقية وضرورة إفراغها من المدنيين، ولاحظت صحيفة «نيويورك تايمز» أهمية المعنى الذي حملته العبارة الأخيرة من خطابه وهي: «لم يصغ أحد لروسيا قبل ذلك، حسناً فليصغوا الآن لروسيا جيداً».
وهذه رسالة لجميع أعداء روسيا وخصوصاً الحلف الأطلسي الذي قام بتصعيد تهديداته العسكرية بنشر منظومة الصواريخ الأميركية المضادة للصواريخ التي جعلها خطاب بوتين عديمة الجدوى ومجرد «خردة» أمام الصواريخ الروسية النووية وغير النووية التي لا يمكن تعقبها أو منعها من إصابة الهدف.
حاولت وزارة الدفاع الأميركية الرد على ما جاء في خطاب بوتين حين قالت: إن «ما عرضه بوتين من أسلحة كانت موسكو تعمل على تطويره منذ فترة، وأن البنتاغون يعرف ذلك»! وهذا يعني أنه حتى لو صدقنا ما يقوله البنتاغون فإنه يعترف بوجود هذا النوع من الأسلحة.
في إسرائيل استشهدت صحيفة «يدعوت أحرونوت» في الثاني من شباط الجاري بمقابلة أجرتها قناة «إن بي سي» الأميركية مع بوتين قال فيها: إنه «لا وجود لحرب باردة جديدة» وأن «كل من يقول إن حرباً باردة جديدة بدأت فهو مجرد رجل دعاية وليس محللاً سياسياً» أي إن واشنطن نفسها لن يكون بمقدورها بموجب ما عرضه الرئيس بوتين من نوعية غير مسبوقة من الأسلحة والصواريخ الحديثة التسابق مع موسكو في تحقيق ردع متوازن يعيد العالم إلى حرب باردة جديدة، وهذه أكبر صفعة ليس للولايات المتحدة الأميركية بل أيضاً لإسرائيل الحليف والموظف الأساسي لها في المنطقة، ولا شك أن قوة روسيا بعد هذا الخطاب ستجبر واشنطن على أخذها بحسبان دقيق وهذا ما يشكل انتصاراً لجميع الدول والقوى المناهضة للهيمنة الشيطانية الأميركية وأدواتها، وهو انتصار لدول وقوى محور المقاومة بشكل عام ولسورية بشكل خاص.