تكرار الصدى
| زياد حيدر
كبر وعي الناس لدينا تجاه الضخ الإعلامي التلفزيوني، وبات المشاهد المتابع إلى حد ما قادراً على تقديم حكم مبدئي أو تحديد موقف من المحطات التي يتعرض لبثها.
ويجيب البعض حين تسأله عن محطة تلفزيونية معينة، تبدو محيرة في توجهها، بأنها «تقريباً محايدة»، وهو توصيف يتعلق بالقضية ذات الاهتمام لا التغطية الكلية العامة للمحطة لأن الحياد شبه مستحيل، أو يجيب ببساطة معنا أو ضدنا.
وفي القضية السورية التي تنشغل بها قنوات تلفزيونية كثيرة، الحكم سهل على التغطيات المختلفة، والقنوات مفرزة بشكل واضح كما الجمهور والأمر منته. ورغم أن ثمة قنوات كما يقول الجمهور لدينا، تضرب هنا وهناك، وتجامل هذا الوجه وعدوه، إلا أن هذا لا يشوش إجمالاً على تقييم «معنا وضدنا».
رغم السابق، ثمة بعض لا يظن أن التمويل الإعلامي قد قال كلمته الأخيرة بهذا الشأن، وأن الاستحواذ على جمهور غائب هدف مأمول، أي جمهور ما يسمى المنطقة الرمادية، وذلك بين بوقي الإعلام المتضادين، ولاسيما عبر الرهان القديم الجديد، بأن ثمة جمهوراً بدا محايداً من بدء الحرب يوحي بكونه من بنية ثقافية وفكرية وسياسية (بين قوسين) تبحث عن متحدث باسمها، أو تتقصى منبراً للبوح.
وعلى فرض أن هذا التصنيف صحيح، وعلى فرض أن هذا التوصيف لا يتجاهل ما هو أعمق من رؤية شريحة كبيرة من الناس عبر جدار صمتها السميك فقط، لا وفق ما هو خلف هذا الجدار، من أسباب وظروف وحسابات يجدر بعلم النفس أن يتكفل بها، أكثر من الإعلام، أو تصلح مادة للأدب والسينما أكثر منها للمحطات الإخبارية.
وعلى فرض أن التبسيط السابق سمح بالاستحواذ على ممول لإقناعه بهذا، ومن ثم تنفيذه، سنستخدمه في السؤال عن أمر جوهري.
وهو كيف يمكن لممول إعلامي متورط حتى أنفه في الصراع، بكل أشكال التورط المتخيلة، ومنذ إرهاصاته الأولى، حتى اللحظة الراهنة، أن يخاطب جمهوراً يصنفه كوسطي (أي متعاطف مع كل الضحايا، وكاره لكل القتلة من دون النظر لقضيتهم) باعتبار أن هذا الجمهور يبحث عن متنفس إخباري وسياسي وثقافي؟
وكيف سيتمكن هذا المشروع المتنفس من خزائن مال الميليشيات الدينية والسياسية ومرشديها الروحيين ومشايخها ومثقفي البلاط الكثر، أن يستحوذ ثقة الهاربين بضميرهم من الحرب، وبمالهم من أمراء هذه الحرب، وبعقولهم وقلوبهم من تأثيراتها الضخمة.
السؤال بديهي والإجابة عنه، لا تتطلب مرافعات ومحاججة من نوع «انتظر وسترى»، و«المي بتكذب الغطاس»، و«أجرينا الدراسات الميدانية المناسبة قبل إطلاق هذه المحطة أو ذلك الموقع». ناهيك عن أنه ما من رغبة لدينا في الدعاية المجانية لأحد وإن كانت نقدية.
ورغم أنه مفهوم أيضاً أن تأتي هذه المشاريع لتحاول أخذ المساحة المتبقية بين المتشدد واللامبالي والوسطي، بحيث يكون الكل مقصوداً، ولا يغيب أحد عن تصويبات الإعلام الموجه، لكن ما أجده عسيراً على الفهم، السهولة التي يمكن فيها إقناع ممول بجدوى مشروع من هذا النوع، بشكل يوحي بأن عميان البصيرة الذي ساد في بداية هذه الحرب لدى دول كثيرة، ما زال هو ذاته.
قالت العامة منذ مئات السنين: إن «ضيف السلطان يأكل في ظله»، ونقول نحن في الإعلام: ابحث عن الممول وتجاهل بعدها كل شيء يقال.