التوازن بعد الغوطة
| مازن بلال
يظهر إرباك السياسي في التطورات العسكرية لمعارك الغوطة، فالحملات الإعلامية والضغط السياسي لا يحمل سياقا واضحا، فهو اعتراضات من دون ملامح لمبادرة لتحريك المسار السياسي، وحتى قرار مجلس الأمن بهذا الخصوص لا يقدم أفقا بقدر كونه تسجيل موقف دولي بشأن المعارك، فالسيناريو يبدو ضمن سياق إقليمي بينما لا تملك العواصم الكبرى سوى تحركات موجهة عمليا لسياسات موسكو دوليا، أكثر من كونها ضغطا لتبديل المعادلات السياسية بالدرجة الأولى.
ما حدث عمليا أن المجموعات المسلحة في الغوطة تم دفعها بقوة قبل مؤتمر سوتشي، وظهر تصعيد واضح عبر القذائف التي طالت العاصمة دمشق قبل وخلال «سوتشي»، في وقت أعلن فيه جيش الإسلام مع جميع الفصائل المتحالفة معه عن مقاطعة أعمال هذا المؤتمر، فالتصعيد السياسي والعسكري من فصائل الغوطة كان يعني على الأقل موقعا قويا لها في المعادلة القائمة، لكن هذا التقدير السياسي اصطدم بمسألتين:
– الأولى عدم وجود غطاء سياسي فاعل لهذه المجموعات، فالسعودية التي تدعم جيش الإسلام لا تملك هامشا سياسيا كما في السابق، وهي مقيدة بمعطيات «خليجية» عبر صراعها مع قطر، وداخلية نتيجة الاستحقاقات الخاصة بولي العهد السعودي لاكتساب شرعية كاملة في قيادته للبلد.
المسألة الأساسية هي أن فصائل الغوطة فقدت تحالفا خليجيا بالدرجة الأولى، بينما انحصر دورها بعد عام 2015 في إبقاء التوازن داخل وفد التفاوض في جنيف بحيث يبقى الائتلاف القوة الأكثر حضورا، ورغم أن هذا التوازن تآكل بشكل تدريجي، لكنه بقي بشكل أو بآخر الأكثر حضورا وقاوم التحولات التي بدأت في سوتشي، فالأطراف المعارضة التي شاركت في هذا المؤتمر يمكن أن تغير من التوازن وهو ما دفع تلك الفصائل إلى التصعيد.
– الثانية وجود أجندات دولية في سورية لا تنظر إلى معادلة توزع التنظيمات المسلحة بالطريقة نفسها التي ظهرت في بداية الأزمة، فالكثير من المجموعات اليوم سواء في الغوطة أو غيرها لا يملك الموقع نفسه داخل اعتبارات القوى الدولية.
عمليا فإن الولايات المتحدة حددت الجغرافيا التي تريد التأثير فيها داخل سورية، وهذا ما دفعها إلى زيادة عديد قواتها في الجنوب والشمال السوريين، بينما تبقى الفصائل الأخرى التي ظهرت منذ بداية الأزمة ضمن هامش ضيق لا يدخل في كثير من الأحيان في أولوياتها، ورغم أن تحول السياسيات الدولية والإقليمية لم ينعكس سريعا على التوازن في التفاوض السياسي، إلا أنه جعل من مسار جنيف حالة إشكالية يصعب التحرك فيها.
كان التصعيد الذي بدأته المجموعات المسلحة في الغوطة مؤشرا على أن الخريطة العامة للأزمة السورية هي في تحول مستمر، فالتصعيد كان ينقل فقدان هذه الفصائل وظيفتها ووصولها إلى تأزم على مستوى وجودها في تلك المناطق، فهي لم تعد قادرة إلا على الاستنزاف وخصوصا مع عدم قدرتها على تأمين غطاء سياسي لوجودها كما في السابق.
قسوة معارك الغوطة تؤكد أن التصورات السياسية لمستقبل التفاوض في جنيف بحاجة لصياغات مختلفة، فالانهيار العسكري سيُفقد الائتلاف أقوى أوراقه التفاوضية، وربما يصعد من الخلافات السياسية بين أجنحته، وهذا الأمر سيعيد ترتيب العملية السياسية بالكامل لأن تركيا تريد أن تحتل مقاعد دول الخليج في الوفد التفاوضي؛ عبر عمليتها في عفرين ومحاولاتها في هيكلة الفصائل في الشمال السوري.