عيد المرأة القادم
| زياد حيدر
كنا في الصف الحادي عشر بمدرسة حكومية للذكور (كما معظم مدارس دمشق) في منطقة مساكن برزة، حين جاءت لجنة حزبية، لتفقد المدرسة، الطلاب والهيئة التدريسية. عريف صفنا، وتسميته الحزبية رئيس هيئة إدارية، كان مكلفا مع مجموعة من الطلاب بتقديم رؤية نقدية لأوضاعنا، وكيفية تحسينها. في اللقاء في صالة أحد الصفوف، وقف الصبي بعلامته الحزبية الحمراء على كتفه، وبدأ يتحدث بنصف اهتمام عن المدرسة، وصفوفها، بينما استمع المندوب الحزبي، وسجلت مرافقته الشابة الملاحظات.
وصل الصبي متدرجاً من مديح الهيئتين الإدارية والتدريسية، نحو الحديث عن مدرسي المواد، مادحا الواحد تلو الآخر، حتى توقف عند حصة العلوم، معلقا بأن مستوى الطلاب، تراجع فيها.
وحين سأل المفتش الحزبي عن السبب، قدم الصبي بلهجة ساخرة تعليله، بأن السبب ربما يكون لأن امرأة تتولى تدريسها. رمت الفتاة القلم، ووثبت من كرسيها باتجاهه، مطالبة إياه بتحذير مبطن أن يعيد ما قاله. صعق الصبي من الصبية التي لا تزيده سوى عدة أعوام قليلة، وهي تواجهه بكلماته، باحثاً عن شجاعة ما للتراجع.
كنا في مدرسة ذكورية، لا نشاهد النساء إلا من وراء حديد النوافذ، وحين يتصادف وجود مدرّسة، كان أغلبية الصبيان يتحولون لما يشبه كلاب الصيد. المرأة بالنسبة لكثيرين منا، ولاسيما في بيئة منغلقة، كانت تلك التي يرونها من حديد الشباك، بعيدة المنال، مثيرة، وفيما تعبر من أمامنا تشتعل خيالاتنا إلى مالا نهاية.
كان صعبا جداً، قبول وجودها الطبيعي، كقائدة في الصف، وهي بهيئتها الجامحة والرومانسية في مخيلات ذكور المدرسة.
لذا فإن قسماً كبيراً من أولئك، يدخل في ارتباك نفسي مع دخوله الجامعة، حيث عليه بحكم النظام القائم، أن يتعاطى مع زميلاته بندية كاملة. التدريس غير المختلط هو أحد المشاكل، في تكوين النظرة العامة عن المرأة التي تفضل ثقافتنا في اختصارها بالعشيقة، الزوجة، والأم، وفي تحويل أي تماس بين الجنسين لإشارات خطر وتحذير وتحريم.
وقد ساهم هذا النظام، ليس في رفع الأسوار بين الجنسين، وإنما في ترسيخ كل عوامل قلة الاحترام والتقدير بينهما.
وربما كان هذا من بين الأسباب التي برهنت هشاشة حركة تحرر المرأة في بيئات سورية كثيرة، خلال الحرب، وصولا بها مع تراجع النظام القانوني العام، وسياسة الدولة، لتصبح سبية وسلعة في سوق نخاسة.
نصف حركة تحرر المرأة في سورية، يعود أثرها لحركة النساء أنفسهن مدعوماتٍ برجال تقدميين، ونصفها الآخر حققته الدولة بسن قوانين تقترب من وضعها في مرتبة الرجل، وإن ظلت في مستوى أدنى حتى اللحظة. والآن مع مرور مجتمعاتنا المحلية، المحافظة منها والمتحررة بأمواج التغيير التي فرضتها الحرب، يجب أن يعود هذا الموضوع لواجهة النقاش والتطوير، وخصوصاً أن بلدنا، ودولتنا بشكل خاص تتمتع فيها نساء كثر بمراكز سلطة عالية، على مستويات التفتيش والإقرار والتنفيذ، كما رسم السياسات البعيدة أيضاً.
وبعضهن ساهم خلال مسيرته بتمتين ثقافة المساواة، على المستويين العام والشخصي، وصولا لإقامة مجالس عزاء مشتركة للجنسين، خلافا للتقاليد السائدة. لذا هذه دعوة لجعل عيد المرأة القادم، مناسبة لترسيخ التعليم المختلط، وتقليص خندق المواجهة بين الجنسين، في توجههما نحو قيادتنا كمجتمع ودولة. شخصيا جربت الفصل والاختلاط في التعليم، وأنا كـ«إنسان» أفضل الثاني.