توازنات الأعوام السبعة
| مازن بلال
من الصعب تقديم قراءة نقدية لسنوات سبع من الأزمة السورية، فالمسألة لا تتعلق باستمرار الحرب في العام الثامن، ولا حتى بتبدل الموازين الدولية والإقليمية؛ إنما باستعصاء الحل السياسي لعدم القدرة على خلق مستوى جديد من التفكير بمنظومة الشرق الأوسط كلها، فالحرب التي تظهر على أنها صراع شامل في منطقة الشرق الأوسط تعبر في إحدى نواحيها عن إخفاق التكوين القديم للمنطقة، وتجليات هذا الأمر بعد سبع سنوات تبدو في تآكل العلاقات داخل المنطقة، وبظهور نمط جديد من العلاقات «الآنية» التي لا تملك في كثير من الأحيان عمقاً واضحاً، فالحرب السورية كانت بمعنى أو بآخر تعبيراً عن عجز سياسي إقليمي بالدرجة الأولى، وفي تفاصيلها انهارت «الهياكل السياسية» القديمة بعد أن عجزت عن تحقيق وظائفها، فلا الجامعة العربية كانت قادرة على التعامل مع التداعيات المتسارعة، ولا العلاقات الثنائية بين الدول قدمت استيعاباً لنتائج ما يحدث في المنطقة عموماً.
بعد سبع سنوات يمكن ملاحظة مستويين أساسيين في مسيرة الحرب بدلا عملياً من بنية المنطقة عموما، ففي المستوى الأول ظهرت جملة الخلافات الدولية بشأن منظومة الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، فالعواصم العالمية أدركت مبكراً أن أي تحول على مستوى الأزمة السورية لن يستقر إلا على توازن جديد، وهو ما جعل الصراع يقف عند نقطة واحدة لا يمكن تجاوزها، فالقضية كانت تتلخص في سؤال يرتبط بإحداث تغيرات في السياسات السورية من دون أي مجازفة لفتح احتمالات جديدة، لكن هذا الحذر أثبت تعقيد المسألة السورية لأن تغيير السياسات أوضح صعوبة بالغة لأنه يؤثر في توازنات خارج الإقليم، وبالتحديد في الصراع العالمي بين آسيا متمثلة بالصين وروسيا والولايات المتحدة إضافة إلى غرب أوروبا.
في المستوى الثاني للحرب كان التحدي الأساسي في عملية الانتقال إلى نموذج سوري يمكنه التأقلم مع السياسات الدولية، فالسوريون وبغض النظر عن مواقفهم السياسية غدت الحرب معاكسة لنمط دولتهم التي عرفوها منذ عهد الاستقلال وحتى اليوم، فهي دولة متحفزة بشكل دائم على المستوى الإقليمي وقائمة أساساً على طبيعة دورها في المنطقة وليس فقط على شكل الحكم فيها، فهي بالسياق العام امتازت بأمرين كانا من طبيعة وجودها:
– طبيعتها المؤثرة في جملة العلاقات السياسية على مستوى الشرق الأوسط، حيث يتم تعريفها من «دورها المحوري» الذي أثار على الدوام زوابع سياسية بدءاً من أعوام النكبة عام 1948 ومروراً بمسألة حلف بغداد والوحدة السورية المصرية ووصولاً إلى التدخل السوري في لبنان.
مسألة الدور المحوري ليس شعاراً سياسياً، بل كان هوية الدولة التي أتت الأزمة لتحاول تغييره بالكامل، فالحرب السورية على المستوى الإقليمي كانت تريد تحييد سورية عن التأثير في المحاور التي بدأت تنشأ على الأخص بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والاستعصاء الحالي على مستوى الحل السياسي يأتي من مقاربة أساسية حول أن أي حل سوري سوري لن يغير من الهوية الأساسية للدولة، وهو ما يدفع جميع الدول للتدخل والتأثير في هذا الحل.
– نوعية التوافق داخل هذه الدولة مبني على مراحل تأسيس عميقة بدأت قبل الحرب العالمية الأولى، فالدولة التي نشأت وظهرت بعد نهاية الانتداب هي وليدة حراك سياسي بدأ بالمؤتمر العربي الأول في باريس وامتد عبر مفاصل كثيرة مثل المؤتمر السوري ومعركة ميسلون والثورة السورية الكبرى، والصراع على الحكم خلال مراحل الانقلابات.
الدولة السورية بعمرها القصير نسبياً بنت توافقاتها الداخلية بشكل مستقل، وهو ما يجعل استحقاق التحول على نموذج حل الأزمات وفق تصورات المنظمات الدولية صعب إن لم يكن مستحيلاً، فهي ليست دولة تقديم خدمات بقدر كونها تعبيراً عن معادلة سورية خاصة، وهو ما يجعل التفاوض الهش القائم حالياً بعيداً من عمقها الذي نشأت عليه.
السنوات السبع الماضية لم تكن حالة عابرة لأنها في النهاية أثبتت عجزاً في خلق تصورات منسجمة مع الحالة السورية، ومع الوجود السوري العميق الذي يضمن استقراراً إقليمياً في العموم.