الفنان السوري الذي يرسم للأطفال هو الأدنى أجراً في الوطن العربي … الفنان رامز حاج حسين لـ«الوطن»: من يرسم للأطفال يجب أن يكون عالي الثقافة وأكاديمياً نحن فقيرون في هذا المجال
| سوسن صيداوي
بين الأمل والاستمرار هناك وميض، بين الضرورة والالتزام هناك المسؤولية، وبين الضحك واللعب هناك طفل، وأخيراً بين الخطوط والألوان هناك رسومات تحكي قصصا له. القرب والتقرب من الطفل ليس بالأمر الهيّن، فالأمر يحتاج إلى ذكاء وإلى تفّهم ويحتاج إلى عاطفة كبرى ممزوجة برغبة في التربية لا التلقين. نحن اليوم يجب أن نمسك ونتمسك بالعناصر القادرة على استقطاب الأطفال واستحواذ تفكيرهم، كي نعطيهم ما يحتاجونه بأسلوب ممتع، صابرين ومتأنين بكل رفق عليهم وعلى سنين هذه الأزمة المرّة، فالأطفال سيقدمون لنا كل ما هو أفضل باعتبارهم اللبنة الأساسية للمستقبل. من هنا تتضافر الجهود وبحسب الاختصاص كي تستقطب اهتمام الطفل بالكلمة أو بالرسوم، الأخيرة التي تحتاج إلى علم وذكاء وتتطلب أسلوبا دقيقا كي تخرج بمنتج جذب بصري محلي معبّر. وحول هذه النقطة ونقاط أخرى جدّ مهمة، كان لقاؤنا مع الفنان التشكيلي رامز حاج حسين المشرف الفني في مجلة أسامة، وإليكم الحوار:
في البداية إلى أي مدى يعتبر أمرا متعبا وصعبا الرسم والتلوين الخاص بالأطفال؟
هذا الشيء على الأكيد أمر متعب، وخاصة عندما يكون العمل مرتبطاً بمجلة، فهنا على الرسام أن يقدم للطفل إضافة للوجبة الثقافية والتربوية، بالمقابل يجب أن يقدم وجبة فنية. وأنا متمسك بالعبارة التالية وأرددها بشكل دائم:(الفنان الذي يقدم رسوما للأطفال يجب أن يكون مثقفاً عالي المستوى).
ولكن ما تؤمن به مناقض للمفهوم السائد بأن ما يتم تقديمه للطفل محكوم بالاستسهال والاستخفاف، ما تعقيبك؟
صحيح، لا يكفي أن يكون الفنان محترفاً أو مقلداً أو ناقداً، بل يجب أن يكون فنانا مثقفا سواء في فهم النص أم أتخيّله والعيش معه في ذاته الخاصة، ومن ثم عليه أن يقوم بإعادة صياغته عبر الرسوم والألوان. وبالفعل نحن نعاني وجود البعض ممن يقدمون رسومات يحكمها الاستسهال، بل يعملون بموجب عرف معتاد وهو أن الفنان ينزل بالرسوم إلى مستوى الطفل، وهذا أمر مغلوط تماما، لأنه علينا أن نحلّق ونرتقي بفننا نحو الطفل، وخصوصاً أن هناك الكثير من الأطفال يقدمون لوحات أو رسوماً أو يسألوننا أسئلة نحن نقف أمامها عاجزين عن إدراك حيثياتها، لذلك التواصل المباشر مع الأطفال أمر جدّ مهم باعتبارهم المتلقي لأعمالنا، ومن جهة ثانية نحن إذا لم نأخذ مفردات هذا الطفل وأسلوبه في تحليل الشخصيات والرسوم وكل الأجواء المحيطة به، فلن نتمكن من تقديم الوجبة له بطريقة صحيحة، بل سيكون هناك حلقة مفرغة بيننا نحن الكبار وبين هذا الطفل، لذلك أحب أن أشير إلى أنني وخلال عملي كمشرف فني في مجلة أسامة، ومن خلال ورش العمل التي نقيمها فيها، نتعلم من الطفل نفسه، والمثال على ذلك، أنا خريج كلية الفنون الجميلة، وكان لدي أنا وزملائي تصّور مسبق بأن الطفل تبهره دائماً الألوان الفاقعة، على حين في ورش العمل اكتشفنا العكس، وأن أطفالنا هم أطفال هادئون وتستهويهم الألوان الترابية والألوان الدافئة التي عبّروا بها عن لوحاتهم، ومن خلال هذه الورشات تعلمنا أموراً عن الأطفال وأصبحنا نعرف كيف نتواصل معهم ونكون قريبين منهم، وأن نكون جسر وصل بين الأطفال المبدعين والأطفال المتلقين كما عملنا بتجربة (سنابل الأمل) وهي تجربة جمعت أطفالاً مبدعين، ونحن اقتصرت مهمتنا على وضع اللمسة الأخيرة.
أكاديمياً نحن نفتقر لإمكانية رسم لوحة صحيحة للطفل.. ما رأيك؟
للأسف فنانونا يقومون بتشويه المشوه، بمعنى أنهم يقومون بتقليد الرسوم الأجنبية، غافلين عن فكرة وهي أن الفنان الأجنبي عندما رسم شخصياته كان قد درس تشريح الشخصية وفكر بها جيدا، ومن ثقافته وبيئته أنتج رسوماته، وهذا أمر مرفوض لدينا في المجلة، فمن مبادئنا الإغراق بالبيئة المحلية، كي يكون الرسم متوافقا مع مجتمعنا وبيئتنا، وبالطبع سيزداد تعلق الطفل بها، والدليل على صحة كلامي السياحة قبل الأزمة، وكيف كان السياح يأتون إلينا كي يروا تراثنا السوري بالأزياء وبالعمران والموسيقا وبالحضارة التي تمتد لسبعة آلاف سنة، لهذا لا يمكننا أبداً استسهال الحالة الابداعية للطفل، لأن هذا الأمر يزيد علينا العبء تجاهه وتجاه الفنانين الذين يقومون بالرسم معنا، والأمر المؤسف أننا حتى اللحظة لا يوجد لدينا في كلية الفنون الجميلة مادة مختصة مثلا لإخراج كتاب مصور للطفل، فكل التجارب على الساحة فردية، ويمكنني هنا أن أطرح مثالاً من خلال عملي في مجلة أسامة التي منذ تأسيسها وحتى اللحظة الرسوم التي قدّمت ونُشرت فيها هي حالات إبداعية وفردية لأساتذة كبار، والدليل على ذلك أنه ومع وفاة الفنان التشكيلي ممتاز البحرة ذهبت التجربة من دون أن تدرّس لأجيال قادمة، وهذا أمر ليس بصحي، فهذه التجارب الفردية ولّادة لإبداع كبير، ولكن وللأسف لا يوجد من يهتم للاستفادة منها وحفظها. وبالفعل أكاديميا نحن نفتقر لإمكانية رسم لوحة صحيحة للطفل، ولكننا ككادر في المجلة نسعى إلى توجيه العاملين بأننا نريد تقديم الأمور الفنية من حيث التشريح والألوان بطريقة صحيحة، وأن يكون العمل نابعاً من هوية محلية كما أسلفت مما يساعدنا في النهاية على الحصول على منتج وطني.
الجهد الذي يبذله الفنان التشكيلي السوري الذي يقوم بالرسم للأطفال لا يقابله أجر مادي يقارن بما يبذل.. ما تعقيبك؟
بالفعل، الفنان التشكيلي السوري الذي يقوم بالرسم للأطفال هو الأدنى مرتبة وأجورا في الوطن العربي، ولتأكيد كلامي الفنانون الحاليون الذين يعملون معنا في المجلة، يقدمون الرسومات محبة، وحتى إنهم يتركون التعامل معها كآخر أمر يقومون به شهرياً، وهذا الأمر مبرر ما دامت الأجور لا تستوفي التعب ولا المجهود أو حتى الوقت المبذول أو تلبي الأمور المعيشية، ومن ثم من الطبيعي أن يهاجروا إلى القطاع الخاص القادر على تأمين أمورهم المعيشية، وهذا الأمر مؤلم جداً بالمقارنة مع التجارب في الخارج، من حيث تكريم المبدعين والاهتمام بهم وبظروفهم كلّها، مع الإحاطة بهم كي يقدموا إبداعهم للآخرين، والتجربة الفرنسية في هذا الخصوص مع الرسام(ألبرت أديرزو) الذي قام برسم سلسلة (أبطال الاستريكس) خير مثال، حيث قامت الجهات المختصة بتأمين كل ظروفه المعيشية كي يتفرغ لتعليم خطه وفنه. وهنا أحب أن أشير أننا نشكر وزارة الثقافة لاهتمامها بمجلة أسامة ولتقديمها كل ما هو مستطاع في الوقت الحالي وخلال هذا الظرف، ولكن علينا أن نفكر في الأمور وننظر نحو البعيد لا أن نلبي فقط ما هو آني ووقتي لأننا بالنهاية نقوم بتشكيل الطفل الذي هو باني المستقبل، بمعنى يجب تأمين الظروف كي يتفرغ الفنان لعمله كي لا يسعى للعمل نحو جهات أخرى، وبالنتيجة كي لا يذهب طفلنا السوري للجهات الأخرى كي يحصل على الكتب والمجلات التي هي في الأصل من ابتكار مبدعين محليين سوريين، هذه الهواجس التي تؤرقنا، ولكن يبقى الأمل لدينا كبيراً، لأن سورية ولادة وإمكانيات مبدعيها لا يمكن أن تكون محدودة أبدا، ولكنها تحتاج إلى توظيف الفرص بالشكل الأمثل، والدليل كيف يتم استقطابهم وتوظيفهم واستثمار إبداعاتهم في الخارج.
وكأنك تشير إلى أن العمل في هذه الظروف وحتى في الظرف الحالي لمجلة أسامة يثير إحباط الفنان؟
بالطبع، لأن الفنان في المجلة يقدم إبداعه شهرياً وعلى مساحة صفحتين، وهو بالفعل بحاجة إلى رعاية وإلى من يتبنى موهبته بشكل جدي وفاعل أكثر.
برأيك ما الحلول الناجعة في هذا المجال؟
نحن بحاجة إلى خطة وطنية تتضافر بها كل الجهود، كي نخرج بما يمكننا تسميته شعبة رسوم الأطفال أو شعبة الرسوم المتحركة، بمعنى أن يكون هناك مشروع وطني معني بشؤون الأطفال بالدرجة الأولى ومن ثم معني بأمور هؤلاء الفنانين ومسؤول عنهم.
السؤال الأخير.. أشرت في حديثك إلى أمر جدّ مهم وهو أن طفلنا السوري هو متلق سلبي.. هل توضح؟
هذا هو الواقع، إن انعدام وجود أعمال تمثل طفلنا محليا وتكون في الوقت نفسه حاضنة له، تصرفه دائماً نحو الغربيين الذين بدورهم ناجحون وممتلكون لعناصر الجذب البصري من خلال الرسوم والألوان، والأمر المرعب أنهم هم من يقومون بتربية طفلنا من خلال ما يقدمونه من أفلام ومجلات وكتب وقصص، وفي النهاية يعيش طفلنا في شرخ كبير بين الواقع المحلي الذي يعيشه وبين الغربي الذي تربى على أفكاره وثقافته، وما علينا إدراكه في الوقت الحالي أن طفلنا السوري بحاجة إلى ثقافة ترميمية خاصة وهي ثقافة بعيدة عما كان سائدا قبل الأزمة، فواقعنا اليوم يفرز أطفالا يعانون العنف وقلة التربية والتعليم، حتى إنهم يتعاملون بمفردات الحرب فقط، فهنا الأمر خطير جداً وعلينا إعلان ما أسميه النفير الطفولي العام الذي يجب أن يعلن من الأمس الماضي وليس اليوم الحاضر.
يجب أن نكون حذرين لأن المفردات البصرية التي في بيوتنا فيها ألوان العلم الأميركي الأحمر والأزرق، وطفلنا ثقافته مبنية على شخصيات (سوبر مان وسبايدر مان وبات مان) كلّها تعزز البطولة الفردية والأنانية، وبالمقابل نحن لدينا مثلا شخصية أسامة التي أسسها الفنان ممتاز البحرة والكاتب عادل أبو شنب ونجد أنه أمر معقد بأن نحيي هذه الشخصية، التي هي الأصدق لطفلنا لأنها من بيئته ومن ثقافته، بل علينا أن نخبره بأساطيرنا وأبطالنا التاريخيين الذين بنوا الحضارة السورية، لا أن ندفع أطفالنا نحو الغرب بشخصياته الوهمية. إذاً على الجهود أن تتضافر لتبني أدب وفن الطفل، وخاصة أن الحرب والأزمة خُلقت وامتدت عبر الريف لانعدام الثقافة.