حرب الأصلاء بعد هزيمة الوكلاء
| د. بسام أبو عبد الله
ظلت الحرب على سورية طوال سنوات سبع ماضية تغوص في بحر من تضليل المصطلحات، والعناوين والتحليلات، ففي المرحلة الأولى كان التركيز على مصطلحات مثل (الموالاة- والمعارضة) لإعطاء بعد داخلي لهذه الحرب القذرة، ولمحاولة هز الجبهة الداخلية السورية، وسحب أكبر عدد ممكن من المؤيدين لمشروع سُمي (الثورة!!!)، وعندما لم يجد ذلك الصدى المطلوب، أو المأمول كان لابد من استخدام (الخلطة السحرية) المتمثلة بالبعد المذهبي- الطائفي- على اعتبار أن شعوبنا شعوب عاطفية يمكن ببساطة أن تنساق خلف أصحاب اللحى، والمنافقين، وتجار الدين، وهو ما ترافق مع جرائم على الأرض نفذتها الجماعات الإرهابية التي لم تُبق اسماً من تاريخ الإسلام إلا واستخدمته من أجل محاولة إخفاء وجهها القبيح، والقذر، والمرتهن للخارج، ومع كل ذلك بقيت الكتلة الاجتماعية الوازنة في المجتمع السوري متمسكة بخيار الدولة الوطنية السورية، وقاومت كل تلك الخيارات التي أخذت عناوين براقة، ولكنها كانت بذلك تمسك معول الهدم والتقسيم، والتفتيت لمصلحة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ظل الأصلاء يتخفون خلف شعارات البعد الداخلي للحرب سنوات ويقومون بتغيير أسماء، وواجهات المعارضة المفترضة كما يغيرون أحذيتهم، فمن المجلس الوطني السوري، إلى ائتلاف الدوحة، إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وغيرها من التشكيلات المسلحة التي تجاوزت أسماؤها المئة، وأكثر، وكل ذلك من أجل إخفاء الوجوه الحقيقية التي تدير هذه الحرب، وكنا كلما قطعنا مرحلة في تحرير الأرض من دنس الإرهاب كانوا يتراكضون لعقد جولة جديدة من جولات جنيف من أجل إعادة ترسيخ مفهوم، ومصطلح (المعارضة) مقابل (الحكومة) للإيحاء أن الصراع داخلي بحت، وأن القوى الغربية هي قوى للخير، وجمعيات خيرية توزع هداياها في الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان على الشعوب، وتدعم المعارضات (السلمية!!!) والمسلحة!!! بمليارات الدولارات، وبالدبلوماسية، والاستخبارات والسلاح، والمقاتلين من أجل عيون الديمقراطية الموعودة، والمنتظرة التي ستعم على الشعب السوري، وتحوله إلى شعب مستقل، حر، سيد بفضل الدعم الخيري للغرب المسكين الذي لم ينم رؤساؤه لشدة قلقهم، وحزنهم على شرق حلب، وخان شيخون، ودوما، وحرستا، وعربين، وعفرين، وحمص القديمة ودير الزور، ودرعا، وحماة، و.. و.. و..
ومع كل مفصل من مفاصل هذه الحرب كان الغرب يرتعد، ويصول ويجول، ويجمع مجلس الأمن الدولي للتباكي على السوريين، ومستقبلهم الذي يضيع مع كل عملية تحرير من دنس الإرهاب، وفقط عودوا بالذاكرة إلى حمص القديمة، ثم شرق حلب، ثم دير الزور، والبوكمال وأخيراً الجنون الذي أصابهم في الغوطة الشرقية بعد قلع وكنس الجماعات الإرهابية من هناك، وخسارة آخر خنجر مغروس في خاصرة دمشق العاصمة، وامتداداته المحتملة نحو الجنوب باتجاه درعا، والبادية باتجاه التنف، ثم استمرار عملية تنظيف محيط العاصمة دمشق، والمتابعة نحو حمص، وحماة، والبدء بعملية إنهاء وجود الإرهاب في مساحة تتجاوز 80 بالمئة من مساحة سورية.
شكل يوم 14 نيسان 2018 تاريخ العدوان الثلاثي الأميركي، البريطاني، الفرنسي مفصلاً جديداً من مفاصل الحرب على سورية حيث ظهر الأصلاء بعد هزيمة الوكلاء، تحت ذريعة هجوم كيميائي مفبرك في مدينة دوما، وكان الهدف الواضح للعدوان الرد على هزيمة الوكلاء في الغوطة الشرقية، والإسراع فوراً بعد العدوان للاستثمار به سياسياً من خلال محاولة طرح مشروع قرار فرنسي على مجلس الأمن يضبط حركة الحل السياسي وفقاً لتداعيات العدوان حسب وهمهم، ولكن الرد كان واضحاً جداً من سورية وحلفائها أن من تورط في العدوان عليها لن يكون بعد الآن شريكاً للحكومة السورية في أي تسوية سياسية، لأن من يطالب سورية باحترام القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن أو أي قرارات دولية أخرى عليه أن يحترم هو نفسه ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات المجلس الذي هو جزء منه، ومن ناحية أخرى فقد تمت إعادة تأكيد مساري أستانة، وسوتشي على اعتبارهما المسارين الأكثر إنتاجاً، ومفعولاً على الأرض السورية إضافة إلى إبراز الالتزام بوحدة الأراضي السورية، واحترام استقلالها الوطني، وسيادتها، وهو أمر يعاكس المقاربة الغربية التقسيمية، أو الذاهبة نحو الفدرلة بالقوة- الأصلاء الذين يقفون خلف هذه الحرب منذ سنوات ظهروا للعلن بوجوههم، وبلغتهم، ولكن بمصطلحات جديدة تقوم على ما يسمونه (خطر إيران)، وتمددها في المنطقة، وترافق ذلك مع حملة إعلامية تقودها (إسرائيل)، ومعها أنظمة البترودولار، واليمين المحافظ الأميركي، حول مخاطر (النووي) الإيراني، واحتمالات انسحاب ترامب من الاتفاق (5 +1)، وتداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة والعالم.
الحقيقة أننا أمام صيف حار جداً كما تفيد المؤشرات السياسية والتصريحات النارية التي تصدر من هنا وهناك، فالعنوان هو (الملف النووي الإيراني) ولكن العناوين المخفية، أو العناوين الأخرى تحاول ربط مصير الاتفاق النووي، مع مصير ملفات أخرى بما فيها الحرب على سورية، وما يسمى (الحل السياسي)، وهو أمر ترفضه دمشق بشكل قاطع، ورفضته طهران في عز التفاوض معها بشأن الملف النووي إذ أصرت على أن يكون التفاوض بشأن النووي فقط، وعدم ربط الملفات بعضها مع بعض.
إن مساعي واشنطن وحلفائها هو ضمان أمن إسرائيل ومستقبل سلاح المقاومة، والعقيدة العسكرية السورية المقاومة، والقبول بصفقة القرن، وتصفية قضية فلسطين، وعدم إبقاء نفوذ موسكو وتحالفاتها على حالها، والتشكيك بقدرة موسكو على فرض نفسها لاعباً دولياً أساسياً.
إن ما يحدث حقيقة من تحولات، وتصعيد غربي- إسرائيلي- خليجي يؤشر إلى أن محور العدوان على سورية لا يرغب في القبول بالسيناريو الذي وصلت إليه الأوضاع فيها، ويعمل على فرض أمر واقع يزج من خلالها حلفاءه فيها، وهي شمال شرق سورية (شرق الفرات) حيث يجري الحديث عن قوات فرنسية، وخليجية بعد أن تم قطع يدهم في الغوطة الشرقية، وهذا مشروع قائم، وهدفه قطع شريان محور المقاومة من طهران إلى بغداد، دمشق، بيروت، ومنع قيام محور اقتصادي قوي في غرب آسيا، وأما الورقة الأخرى فهي في الجنوب حيث المسعى الأميركي- البريطاني- الأردني- الإسرائيلي لإقامة جدار عازل أو دويلة تحمي الاحتلال وقودها خونة سوريون وفي الوقت نفسه قطع التواصل بين جبهة جنوب لبنان وجنوب سورية كهدف إسرائيلي واضح ومكشوف.
وضمن إطار هذه الرؤية الواضحة، والأهداف المكشوفة للأصلاء فإن خزعبلات الوكلاء طوال سبع سنوات عن (الحرية) و(الثورة) و(الديمقراطية) لم تكن إلا مجرد عناوين كذابة منافقة عميلة لتغطية أهداف الأصلاء، ومخططاتهم التي باتت مكشوفة، ولها أدواتها، ومعادلاتها للتعاطي معها وإسقاطها، فسورية وحلفاؤها الذين أسقطوا مشروعاً طويلاً- عريضاً على مراحل، وبتضحيات كبيرة، لديهم من القدرات المتراكمة والوعي والحكمة لإدارة ومواجهة مهلة الحرب مع الأصلاء، بعد هزيمة الوكلاء بعناوينهم المذهبية، والطائفية، والدينية، والليبرالية واليسارية، فلكل مرحلة أدواتها في المواجهة، والإسقاط، ومن هزم آلاف الإرهابيين والانتحاريين والقتلة، فلن يصعب عليه هزيمة الأصلاء الذين ليس لديهم عناوين براقة بل حجج ساقطة سياسياً وقانونياً وعسكرياً.