هل من فرصة لتفادي الحرب؟
| عبد المنعم علي عيسى
يلاحظ أن التوتر الذي تشهده الساحة السورية بصفتها مقياساً يحدد درجة التوتر الإقليمي والدولي قد شهد ارتفاعاً نسبياً في الآونة الأخيرة انطلاقاً من تشابك الملفات وتناقض المصالح المتغيرة تبعاً لتغير المراحل وكذا تغير معطياتها، ومن الجائز القول إن ذلك الارتفاع قد وضع زر الإشارة على الحالة الصفراء ما بين الحمراء والخضراء، وهي الحالة التي تشير للانتظار والترقب وفي الآن ذاته يمكن النظر إليها عبر محملين اثنين في إمكان الانتقال إلى إحدى الحالتين السابقتين تبعاً لتطور الأحداث وتمايز معطياتها، ولربما سيبقى زر الإشارة على وضعيته الصفراء سابقة الذكر طوال شهر أيار الحافل بالكثير من الولادات المنتظرة ومعه شطر من الشهر الذي يليه لزوم قراءة النتائج التي أفضت إليها تلك الولادات، فالانتخابات اللبنانية وكذا العراقية وما ستفرزانه من خرائط سياسية في الداخلين اللبناني والعراقي ستكونان حاضرتين في قرار التسخين من عدمه، ومن المؤكد أن فوز لوائح حزب الله أو القوائم الحليفة له في لبنان أو فوز اللوائح القريبة من إيران في العراق سيشكلان شحنة دافعة تسبق بث الحرارة في الأقطاب، أما إلغاء الاتفاق النووي الإيراني كما يتوقع العديدون فذاك يمثل إعلان حرب مكتمل البيانات والأسباب، على حين أن النجاح في إحداث تقاربات حقيقية بين واشنطن وبيونغ يانغ الأمر الذي يتوقع أن تفضي إليه القمة الأميركية الكورية المرتقبة فهو من شأنه أن يزيد من احتمالات التسخين في المنطقة لأن واشنطن ستشعر بأن عبئاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهلها وباتت أقدر على الحركة تجاه إيران.
وفي الأفق تلوح العديد من نذر أو تباشير التحضيرات لإنضاج توتر عالمي شامل على امتداد جبهات التماس خصوصاً الموجعة منها، ففي أوكرانيا تقول تقارير إن واشنطن قدمت للحكومة الأوكرانية المعادية لموسكو شحنة أسلحة حديثه مضادة للدبابات، وهو مؤشر على إمكان تسخين الجبهة الأوكرانية بوجه موسكو التي تعتزم يوم الأربعاء المقبل، أي غداً، الذي يصادف الاحتفال بيوم النصر على النازية عرض أسلحة جديدة مثل صاروخ «الخنجر» ودبابة «الروبوت» وهو حدث يتكرر في غضون أقل من خمسين يوماً ما يشير إلى سعي روسي لإثبات تفوقه وفي الآن ذاته القول إنه يملك الردع التقليدي، وفي الساحة السورية يمكن القول إن التوتر الحاصل فيها بات محكوماً بالتوتر الأميركي الإسرائيلي من جهة وإيران من جهة ثانيه، وهو مرشح للتصعيد خصوصاً إذا ما أقدم الرئيس الأميركي على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني كما يتوقع الغالبية، على الرغم من أن جهود الثلاثي الأوروبي الفرنسي الألماني البريطاني قد استطاعت تقديم رؤية بديلة تضمن استمرار العمل بالاتفاق بعد تعديله، ولربما لقي ذلك البديل قبولاً أميركياً حذراً، واختصاراً كانت واشنطن قد أضمرت إمكان التفكير في الأمر، وهو ما يفسر الاندفاعة الإسرائيلية الأخيرة والتي انطلقت من أن تل أبيب ترى أن التكتل الأوروبي قد ينجح في كبح جماح ترامب وهو ما دفع برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى القيام بما قام به يوم الجمعة الماضي، وفيه كان هذا الأخير يعرض في بث مباشر ما استطاع موساده الخارق سرقته من الأرشيف الإيراني السري، ثم أضاف إن استخباراته قد استطاعت الحصول على 55 ألف وثيقة تخص البرنامج النووي الإيراني، في محاولة لترجيح كفة ترامب على الكفة الأوروبية، والجدير ذكره في هذا السياق أن واشنطن إذا ما تراجعت عن إلغاء الاتفاق فذلك لا يعني العدول عن فكرة استهدافها وإنما تأجيلها ريثما تستكمل التحضيرات شروطها، فقرار الاستهداف قد اتخذ ولم يبق سوى تحديد ساعة الصفر، والدليل الناصع على الفرضية السابقة هو أن الأميركيين ما انفكوا يتلاعبون في الأسباب والذرائع لتبرير التصعيد ضد طهران وما يلاحظ هنا أنهم وكذا الغرب كانوا قد ملؤوا العالم صراخاً قبيل وعشية توقيع اتفاق فيينا منتصف تموز من عام 2015 بأن الاتفاق حول البرنامج النووي لا علاقة له بأي ملف آخر، على حين أن الصراخ اليوم لا يشمل ذلك البرنامج في مؤشر على أن طهران لم تخالف أياً من بنود الاتفاق، وهو ينحصر في الدور الإقليمي الإيراني وما اصطلح على تسميته بتمدد النفوذ الإيراني، لتقويض الاتفاق أو لدفع إيران نحو التقوقع وراء حدودها الأمر الذي يعني انكماش الدور وصولاً إلى حدوث انهيارات داخليه تساعد فيها حال الاقتصاد الآخذ بالتردي بعد تجفيف منابعه، ولربما انصبت جهود طهران في الآونة الأخيرة على وضع تواجدها في سورية في صيغة سياسية وقانونية، الأمر الذي يمكن تلمسه عبر تصريحات رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني علاء الدين بروجردي في أعقاب انتهاء زيارته الأخيرة إلى سورية فقد قال إن نائب الرئيس الأول اسحق جيهانغيري سيزور سورية قريباً لتوقيع وثيقة تعاون استراتيجي من شأنها أن تضع الأطر السياسية والقانونية للتواجد الإيراني في سورية، يجري ذلك كله فيما تحيط بالموقف الروسي العديد من إشارات الاستفهام وعلى الرغم من أن السمة الأبرز للسياسات الروسية كانت هي الغموض على الدوام، إلا أن موسكو في هذا السياق كانت ترسل إشارات متناقضة كثيرة، صحيح أن للسياسة حساباتها المعلنة والمخفية بل لها مواسمها التي يحين فيها فقط قطف المكاسب إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال إمكان أن تتحول تلك الحسابات وذينك المواسم إلى سيل يجرف معه كل شيء، فعلى الرغم من أن التحالف الروسي السوري الإيراني قد أثبت صلابة مشهودة وقد استطاع النهوض من عشرات المطبات الاصطناعية والطبيعية إلا أن ذلك كله في ظل هذه التطورات والتهديدات لم يعد يكفي وما يلزم هو قبول موسكو بوضع دمشق وطهران تحت سقف مظلتها تماماً كما فعلت في شبه جزيرة القرم، فالتهديد بتدمير تل أبيب لن يحمي دمشق أو طهران من التدمير وما يحميهما هو الحماية الروسية المعلنة فقط.
يرى الغرب اليوم أنه تعرض لخديعة إيرانية كبرى ففي الوقت الذي كانت فيه طهران تعلي من سقوف مطالبها فيما يخص برنامجها النووي لم يكن ذلك كله هو الهدف الاستراتيجي من التفاوض بل كانت مستعدة أيضاً لتقديم تنازلات أكثر وأكثر، والإستراتيجية المعتمدة كانت تريد إرضاء الغرب لكي يغض بصره عن الرياح الإيرانية التي عبرت الحدود، فما تريد طهران الحصول عليه من برنامجها النووي، ودائماً بحسب الرؤية الغربية، أمر يمكن تأجيله ثم إنه سيصبح تحصيل حاصل إذا ما نجحت تلك الرياح في فتح الأبواب والنوافذ أمامها، ثم تدعم هذه الفكرة السابقة بالقول إن طهران في لحظة من اللحظات كانت قد ظهرت وكأنها قد تكسرت كل دفاعاتها، فقد كشف أخيراً أنه جرى التوقيع قبل ساعات من توقيع اتفاق فيينا على اتفاق يسمح بوضع موقع بارشين تحت الرقابة كما ويلزم طهران الإجابة على كل الأسئلة التي تطرحها عليها منظمة حظر الأسلحة النووية.
لم يعد الدور المنوط بالمعارضة السورية هو السيطرة على الجغرافيا أو مواجهة الجيش السوري، وإنما بات محصوراً بأن تحافظ على لياقتها لأداء دور الصاعق في عمليات التفجير، ومع الانتصارات التي كرسها الجيش في ريفي حمص ودمشق تصبح الأولوية الآن للجنوب فإدلب هي التي ستحتوي على مقاتلي الفصائل المسلحة الخارجين من درعا وريفها ثم إن معركتها ذات طابع آخر، وهي تحتاج إلى توافقات إقليمية معقدة ولربما ستتحدد ساعة الصفر لخوضها تبعاً للمواقف التركية التي يمكن أن تكون داعمة أو معرقله فيها.
اليوم وعلى الرغم من كل هذا التصعيد الذي تشهده الساحة السورية نستطيع القول إن مفاعيل مؤتمر أستانا كانت إيجابية التأثير بدرجة كبيرة فبعد مرور ستة عشر شهراً على بدء تنفيذ مقررات الجولة الأولى منه أضحت الحكومة السورية تسيطر على 65 بالمئة من مساحة البلاد وهو رقم كبير قياساً إلى المساحة التي كانت تحت سيطرتها ما قبل أستانا وتحديداً في نهاية عام 2016، ومن هنا نستطيع تفهم إصرار موسكو على استمرار هذا المسار بل تدعيمه بمسار سوتشي أيضاً دون أن يعني ذلك إلغاء لمسار جنيف.