نتنياهو وترامب وتهديداتهما.. ومرارة الهزيمة في سورية
| تحسين الحلبي
اعتادت إسرائيل منذ اغتصاب الحركة الصهيونية لفلسطين مراقبة ومتابعة كل ما يجري حولها في جوار فلسطين وما بعد هذا الجوار وصولاً إلى الدولتين المجاورتين لسورية تركيا والعراق المجاورتين لإيران، وهي كانت وما زالت تفضل أن تصبح جميع دول المنطقة بحيرة لإسرائيل وأهدافها في التوسع الجغرافي وفي الهيمنة السياسية، وفي هذه الظروف الراهنة تجد القيادة الإسرائيلية أن كل ما قامت به من حروب منذ عام 1948 وما فرضته هي وواشنطن من اتفاقات مع الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في مصر والملك الأردني الأسبق حسين بن طلال في الأردن ومع منظمة التحرير في أوسلو، لم يقدم لها أي عامل يضمن استمرار بقائها وسيطرتها ما بقيت جبهة الشمال الممتدة بالنسبة لها من حدود الجولان إلى حدود جنوب لبنان، فهذه الجبهة رغم كل ما تعرضت له في السنوات السبع الماضية لا تزال تزداد قدرة عسكرية وإرادة صلبة في المحافظة على استقلالها واستعادة حقوقها في الجولان المحتل ومزارع شبعا ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.
مع تمتن قوة تحالف هذه الجبهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصاعدت المخاوف الإسرائيلية من هذه القوى الثلاث وما تشكله من قدرة ردع لا تتحمل إسرائيل درجتها الراهنة ولا ازدياد هذه الدرجة من الردع يوماً تلو آخر، لذلك يرى الجميع الآن أن القيادة الإسرائيلية تسعى إلى توظيف واستخدام كل ما يتوافر لها من حلفاء وفرص لمحاصرة هذه القوى الثلاث وإضعاف قدراتها العسكرية وتماسكها كقوة متحالفة على مستوى المنطقة ضد الهيمنة الأميركية والإسرائيلية وكقوة متحالفة مع روسيا الاتحادية على المستوى الدولي.
لتلك الأسباب تشتد حملات التهديد لكل طرف في هذا المحور المقاوم من دون استثناء وآخرها زيادة التهديد الأميركي الإسرائيلي المشترك ضد إيران بحجة الموضوع النووي وعدم كفاية اتفاقية فيينا لمنع إيران من صنع السلاح النووي، لكن حقيقة الخطر الذي تخشاه واشنطن وتل أبيب من إيران لا يتعلق بهذا الموضوع بقدر ما يتعلق بقدرة إيران على صناعة وتطوير الصواريخ الباليستية التقليدية وليس الأسلحة النووية، فبيت القصيد هنا هو أن واشنطن وتل أبيب لا تتحملان وجود دولة مثل سورية تدعمها قوة مثل إيران على المستوى الإقليمي، وكلتا الدولتين قرارها مستقل بل هما الدولتان الوحيدتان المستقلتان عن كل أشكال الهيمنة والنفوذ الأميركي، وهذا بالذات يجعلهما قادرتين على حماية مصالحهما وسيادة ووحدة أراضيهما بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والدعم الروسي.
في أعقاب انتصار الجيش العربي السوري وحلفائه في أطول حرب كونية على سورية ونتائجها الوخيمة على كل أعداء سورية وفي مقدمهم إسرائيل، لاحظ الجميع أن لغة التهديد الإسرائيلية باستهداف الرئيس بشار الأسد بلغت أوجها بشكل مباشر وغير مسبوق نتيجة شعور قادة إسرائيل بمرارة هزيمة مخططهم واصطدامه بطريق مسدود أمام هذا الانتصار ومفاعيله الإقليمية والدولية، ويرى المحللون في إسرائيل أن هذه اللغة التي استخدمها بعض قادة إسرائيل تدل على أن القيادة الإسرائيلية فقدت كل توازنها أمام توازن القوة والردع اللذين حققتهما سورية بانتصارها في هذه الحرب الأميركية الإسرائيلية غير المسبوقة في تاريخ المنطقة والحروب ولذلك يقول أحد كبار الباحثين في جامعة بارايلان الدكتور ماكس سينجر في تحليل نشره في مركز «بيغين- السادات للدراسات الإستراتيجية» في 8 أيار الجاري: إن «إسرائيل لم تعد تملك القوة القادرة على التأثير في نتائج الحرب على سورية ولا السيطرة على أجزاء منها، فالهدف الإسرائيلي في سورية الآن هو منع إيران من تعزيز قدرات سورية وبناء منشآت عسكرية فيها لمهاجمة إسرائيل، وليس أمام إسرائيل سوى أحد خيارين إما أن تقوم بتدمير هذه المنشآت العسكرية الإيرانية أو أن تقنع إيران بعدم بناء أي منشأة من هذا القبيل».
ويضيف «سينجر»: إن «قواعد اللعبة أصبحت مفهومة عند الجانبين فلا أحد يريد حرباً لكن أي عمل قد يقوم به أحد الجانبين سيحمل معه خطر الحرب ولذلك سيظل الجانبان يميلان إلى الحذر الشديد»، وأمام هذه الفرضية تصبح كل تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مجرد وسائل إسرائيلية غير قابلة للاستخدام في استهداف سورية أو إيران في أغلب الاحتمالات لأن من انتصر على مئات الآلاف من الإرهابيين وصواريخهم وأسلحتهم الإسرائيلية والأميركية فهو قادر على الانتصار على من وظفهم وأرسلهم.