«النووي الإيراني» والأثمان الإقليمية
| بيروت – محمد عبيد
تندرج زيارة رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الروسية للمشاركة باحتفالات «النصر» في إطار محاولاته الدائمة للاستفادة من أي مناسبة للتواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يعني الشأن السوري وبالأخص منه ما يسميه العدو التمركز الإيراني على الأراضي السورية ومعه قوى المقاومة وفي مقدمها حزب الله.
لاشك أن الهاجس الأبرز الذي يستهلك جهد ووقت مؤسسات العدو الإسرائيلي الأمنية والعسكرية والبحثية الإستراتيجية يتمثل بأمرين، الأول: انتقال سورية من مرحلة مراكمة القوة لتحقيق توازن إستراتيجي والتي عمل على تحقيقها على مدى أكثر من أربعين عاماً الرئيس المؤسس حافظ الأسد، إلى مرحلة تثبيت هذا التوازن وتعزيزه من خلال استجماع مقومات المواجهة المحتملة دائماً مع هذا العدو، وأبرز هذه المقومات تعميق التحالف ووحدة السلاح مع محور المقاومة.
اعتقد قادة العدو أن استنزاف سورية نظاماً وجيشاً ومقدرات من خلال الحرب المفصلية التي يخوضها ضد المجموعات الإرهابية، واستدراج الحليف الرئيسي إيران ومعها حزب الله للتورط في هذه الحرب سيؤدي حكماً إلى تمزيقها وإلى تشتيت قوة هذا المحور وتوسع دائرة الحرب المذكورة لتشمل دول المنطقة كافة على أسس طائفية وعرقية، ما يعني بالتالي أن ذلك سيوفر على كيان العدو الانزلاق إلى مواجهة محتمة على جبهة تمتد من جنوب لبنان مروراً بجنوب سورية لتصل إلى فلسطين المحتلة، وهو أمر يصعب حسبان نتائجه وارتداداته بعد التجربة المذلة التي خاضها جيش العدو في عدوان تموز 2006 والتي كان لأطراف المحور مجتمعين بصمات مشتركة فيها.
غير أن نجاح دول وقوى محور المقاومة في إسقاط هذا الاستهداف الإسرائيلي إضافة إلى تمكنها وبغطاء روسي، من تحقيق الانتصار تلو الانتصار على مشروع المحور الثلاثي الأميركي السعودي الإسرائيلي، الذي قام على محاولات عزل مكونات محور المقاومة عن بعضها البعض بعد إخفاق هذا الثلاثي في إسقاط سورية وتغيير وجهتها القومية، هذا النجاح فرض على كيان العدو إعادة ترتيب أولوياته وفقاً للوقائع المعلنة والكامنة التي فرضت عليه تحدياً جديداً على طول الحدود المفترضة لهذا الكيان المحتل.
الأمر الثاني: الاتفاق النووي الإيراني الذي عجز قادة العدو عن منع تحقيقه وتوقيعه وتوثيقه أممياً إبان إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وهو اتفاق تمكنت إيران من خطفه في لحظة تخلٍ أميركية وأوروبية بسبب انفلات الوضع السياسي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط بفعل موجة ما سمي «الربيع العربي» التي دفعت بهذه القوى الدولية مجتمعة إلى السعي لحلحلة ملفات هذه المنطقة كل على حدة، إضافة إلى رهانها على استمالة إيران كمقدمة لإشراكها في صياغة الحلول الممكنة لتلك الملفات.
من المؤكد أن الدول الغربية بالغت في ذلك الرهان وفي الاعتقاد أنه يمكن استرضاء إيران من خلال الإقرار بحقها المكتسب بالاستخدام النووي لأغراض سلمية وتحييدها عن الصراع التاريخي والإستراتيجي ضد كيان العدو الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين أو نقلها من موقعها المواجه للمشاريع الاستعمارية الأميركية إلى موقع التابع كما هو حال أنظمة الخليج مثلاً، ذلك لأنه وفقاً للثوابت الإيرانية التي أعلنتها وعملت على أساسها الدولة ومن قبلها الثورة، فإن المشروع النووي أو الجهود الصناعية العسكرية الإستراتيجية ليست سوى عُدَّة لصياغة منظومة دفاع ومواجهة ضد الكيان المذكور، كذلك ضد التحديات التي يفرضها «الوجود» الاحتلالي الأميركي في قواعد منتشرة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، ومن ثم ما الجدوى من الحصول على اتفاق نووي مُعَرضٌ للنقض عند كل متغير إقليمي ودولي كما هو الحال اليوم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق إدارته، مقابل خسارة عوامل القوة التي أجبرت الدول الغربية على التفاوض مع إيران واحترام إرادة شعبها وحقها في الاستخدام السلمي النووي؟ وفي هذه الحالة تكون القيادة الإيرانية قد دفعت مسبقاً أثماناً إقليمية تطول ثوابتها وخياراتها ومساحة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بكاملها لتستحصل على «شرعية» مشروطة لما بات واقعاً تمتلكه بين يديها وتعمل على حمايته من خلال تعزيز ترسانتها الصاروخية الدفاعية والهجومية.
لا يبدو أن هذه الزيارة ولا الزيارات العلنية والسرية المتكررة التي سبقتها والتي قام بها نتنياهو إلى موسكو وسوتشي على مدى أكثر من عامين ويقال إنها بلغت حتى الآن سبعاً، ستُمَكِنه في الاستحصال على ضمانات، كذلك فإنه لن يعود مطمئناً إلى كيانه المحتل، فالوجود العسكري الإيراني الشرعي، كما وجود حزب الله، صارا جزءاً من تثبيت معادلة القوة السورية التي تجاوزت التوازن الإستراتيجي، أما الموضوع النووي فله حسابات أخرى يحكمها الاحتفاظ بعنصر المفاجأة السياسية والعسكرية كردٍ على القرار الأميركي بما يتخطى التفصيل الإسرائيلي.