بغداد مدينة السلام … عرض للحالة الفكرية والعلمية لحاضرة الدولة العباسية
| سوسن صيداوي
بغداد بنت دجلة والفرات، شاهدة على أعرق الحضارات، منها انطلق نور العلم الذي لم يستطع أن يطفئه جنود الظلّام بعد أن ألقوا كتبه في النهر متحولا لون مائه إلى لون الحبر، وفترة موغلة في التاريخ كان هناك الكثيرون يسعون إلى الانتساب إليها أو يتبغددون مفاخرين بكونهم من بغداد المنارة الأولى في العصر الذهبي للوطن العربي والعالم الإسلامي وكل العالم. وعبر تواتر الحكام وتقليب صفحات التاريخ يروى أن عبد اللـه بن المبارك والأصمعي وغيرهما كرهوا أن يسموا المدينة بغداد، وإنما يقال لها مدينة السلام، وكذلك سماها أبو جعفر المنصور لأن دجلة كان يقال عنه وادي السلام. وقيل أيضاً إنها سميت مدينة السلام لأن السلام هو اللـه فأرادوا مدينة الله. وحول الكثير بشأن هذه المدينة التي هي أسطورة العصر العباسي تحدث الدكتور رحيم هادي الشمخي في مؤلفه الجديد (بغداد مدينة السلام) الصادر عن دار العرب للطباعة والنشر، ضمن سلسلة كتب موثقة لتاريخ العراق. وفي هذا المقال سنسلط الضوء على بعضها:
المجالس العلمية
ذكر المؤلف في الفصل الثالث من كتابه أن المجالس العلمية كان طابعها البساطة في العصر الراشدي ولكن تطور حالها لمّا انتقلت الخلافة إلى الأمويين وأصبحت دمشق عاصمة الدولة العربية، حيث أصبح لموضوع المجالس العلمية أهمية كبيرة لتعدد جوانبها فمنها بحسب الدكتور الشمخي ما يتعلق بمجلس الخليفة والمنبر وتطورت وفق خصوصية جعلتها تأخذ دوراً كبيراً لمساعدة الخليفة في إبداء الرأي واتخاذ القرار في مختلف الظروف، واهتمام الخلفاء باستقدام من عرف برجاحة الرأي والعقل من الرواة والعلماء والأدباء يبين المكانة التي اتخذتها هذه المجالس ومنها: مجالس المظالم ومجالس الخلفاء مع الشعراء ومجالس العلم والمناظرة والمذاكرة موضوع البحث.
الطب في بغداد
تحدث الفصل السابع من الكتاب عن الصيدلية الأولى التي قامت في بغداد في تاريخ الطب والمعرفة الطبية والتي انتقلت أصولها من العراق إلى الشرق والغرب في التاريخ القديم وأخذها الغرب والشرق من بغداد، في تاريخ الإسلام من بعد، وأضاف المؤلف إن الصيدلي الأول كان في بغداد، وكانت أصول الطب الأربعة تحكي تراث بغداد وهي الكتب: فردوس الحكمة لابن ربن، والحاوي للرازي، وكامل الصناعة الطبية «الملكي» لعلي بن العباس، والقانون لابن سينا. كما أرفق الفصل بفهرس مفصل طويل، مشيراً في بحثه لتوافره في دور الكتب والخزائن والمكتبات في العالم، لأهمية ما ترك الآباء والأجداد من تراث، وما خلفوا من مواريث، ما زالت مصادر للمعرفة في الجامعات والكليات والمدارس والمعاهد والمجامع.
بغداد في الصناعة
من الآثار المباشرة للنهضة العلمية التي سادت بغداد خلال العصر العباسي في ميادين كثيرة منها الكيمياء والفيزياء والرياضيات والجبر وغيرها من العلوم العقلية التي كلها استُثمرت في تطوير الصناعات في مدن العراق كافة ومدينة بغداد على وجه الخصوص، وأشار الدكتور الشمخي إلى أن صناعتي النسيج والورق لم تزدهرا لولا التقدم العلمي في علم الكيمياء، متابعا أن الصناعات تقدمت ومنها صناعة الخزف والزجاج في بغداد وأنه في هذه المدينة صنع الزجاج الشفاف والزجاج المطلي بالمينا والمعجون بالزجاج المكون من الزجاج الملون. مضيفاً إن بغداد اختصت بصناعة الأسلحة ولاسيما السيوف التي تفنن صناعها بصناعتها وبتحليتها بالذهب والنقوش، كما أشار إلى صناعات أخرى كالصابون واستخراج الدهون كزيت السمسم والزيتون وغيرها الكثير من الصناعات التي وردت في الفصل.
بغداد في الشعر والنثر
يقول المؤلف في الفصل التاسع والأخير من بحثه إن ما قيل عن بغداد من شعر قد يضاهي ويتفوق على ما قيل في غيرها من المدن، مشيراً إلى أن الشعراء سجلوا بقصائدهم جوانب كثيرة عما ألم ببغداد من حوادث وكروب مثلما سجلوا مفاخرها ومحاسنها، حيث قدمها في قطوف من قصائد الشعراء القدامى والمحدثين مما قيل فيها ماضياً وحاضراً.