«برمودا» جديد يهدد الوجود الأميركي في سورية
| محمد نادر العمري
مع عودة الحياة لمحادثات أستانا والتطورات التي قد يفرزها تفاعل أعضائها من الترويكا الضامنة وبخاصة فيما يتعلق بمصير إدلب وعفرين ومنبج إلى جانب التطورات المتعلقة بملف المفقودين، تطرح الوقائع والمستجدات الميدانية المتعلقة بالخارطة السورية والإقليمية تطورين في غاية الأهمية:
الأول هو احتمالية أن تشهد المناطق المتفق عليها ضمن خارطة خفض التصعيد نظام هدنة مؤقتاً خلال شهر رمضان، بهدف التفرغ للقضاء على ما تبقى من تنظيم داعش بشكل جذري في سورية والعراق، ومواجهة المشاريع الأميركية التي يبدو حتى اللحظة أنها تتعنت في تسليم راية الهزيمة وإيجاد هامش لها من الحرية في خلق الفوضى وإدارة التناقضات لتعقيد المشهد الميداني وتشعبه بنحو يصعب الانتقال للحل السياسي.
والثاني وهو مرتبط بالتطور الأول وأصبح يشكل حاجة وأولوية لمحور المقاومة، ممثلاً بالخطر الناجم عن مثلث التنف الحدودي بين سورية والعراق والأردن، فموسكو اعتبرت المثلث وبطريقة غير اعتيادية «أخطر بقعة في الجنوب السوري»، بينما تجاهلت الولايات المتحدة كل الادعاءات حوله.
يبدو أن تصفية البؤر المغذية للمشاريع الانفصالية في سورية التي تعتبر التنف أهم معاقلها، قد بدأت هندستها على الخارطة العسكرية لدمشق وحلفائها، مع اقتراب انتهاء مرحلة حروب الوكالة فيها، فالقاعدة الأميركية في المثلث ذاته تزيد الجنوب كله تعقيداً، لمنح وجود هذه القاعدة بعداً تأكيدياً ووجودياً للخطة الأميركية القاضية بإقامة دولة جنوبية في سورية وعرقلة معركة الجنوب الغربي بالنسبة للجيش السوري، وتكون في الوقت ذاته امتداداً مغذياً نحو طول الحدود السورية العراقية لما يسمى «الجيش العربي»، فضلاً عن كونها قاعدة تدريب للمسلحين ونقطة إزعاج جيوسياسية للعراق وسورية ومحور المقاومة، في وقت ترى روسيا فيه نفسها، مضطرة، للحسم وبأقصى سرعة ممكنة لخطة «فدرلة الجنوب»، قبل أن تزداد حدة التوتر على مستوى المنطقة بعد الإفرازات المخيبة للآمال الصهيونية والتي تلقت ثلاث صفعات خلال أقل من أسبوع فيما يتعلق بنتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية والعراقية لتثبت تموضعها وتعززه ضمن محور المقاومة وتكريس قواعد اشتباك جديدة لا يناسب الطموحات الصهيونية، والاستمرار بمحاولاتها جر الغرب نحو معركة مع إيران ومحور المقاومة ضمن الأراضي السورية تستطيع من خلالها الحفاظ على الوجود الأميركي في المنطقة ويساعدها على ذلك التحالف الشرق أوسطي الجديد الذي أقر وزير حكومة الكيان أيوب قره أن إسرائيل جزء منه، وطالب وزير أمن الاحتلال أفيغدور ليبرمان أن تخرجه دول خليج للعلن وعدم بقائه في جحرها.
ما يعزز هذا التوجه نحو حسم الاتجاه نحو التنف، تصريحات وزير خارجية روسيا الذي بعث برسالتين بغاية الدقة: الأولى أن موسكو رصدت «تحركات غريبة» في القاعدة الأميركية واتهم فيها الولايات المتحدة بتدريب «جماعات متطرفة»، والأخطر أنه قال إن الجماعات المذكورة «لا تدخل ضمن اتفاق وقف التصعيد» وهو ما يفسر احتمال سبب تبني الهدنة خلال اجتماع الأستانا الحالي، وبدء التقدم السوري نحو عمق البادية والتخلي عن سياسة التحلي بالصبر من قبل الجانب العراقي بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية واستكمال تأمين ظروفها الأمنية بعد أن حاولت داعش تعكيرها خلال الأسابيع السابقة عبر انتحارييها في الأنبار وبغداد.
القلق من الوجود الأميركي في منطقة التنف، ليس لدمشق فقط، وإنما لمحور المقاومة الممتد من طهران وصولاً لبيروت وموسكو أيضاً، خصوصا في ظل توافر المعلومات عن نية واشنطن ورغبتها بصياغة وهندسة تفاهمات مع فرنسا وبريطانيا والسعودية وبحضور الأردن في إنشاء كيانات تقسيمية داخل الحدود السورية، ومن ضمنها دولة الجنوب أو «إمارة حوران»، وهنا نتحدث عن شرارة جغرافية سورية جديدة قد تقود نحو طحن للعظام وتساهم بتغير موازين القوى، الأمر الذي يطرح تساؤلاً في غاية الأهمية: هل يتحول مثلث التنف في سورية والتي أرادته واشنطن نقطة استنزاف لمحور المقاومة لمثلث الموت و«برمودا» ثان لواشنطن لا يهدد مصير جنودها فقط بل يهدد مشاريعها ومصالحها الجيوسياسية في المنطقة؟