المشروع الإصلاحي… المارد الأدهم
| إسماعيل مروة
يبقى السلاح في حالة صحو، ويبقى الإنسان في حالة وعي لمؤامرة تستهدف الوطن والإنسان، ويتحول، بل يجب أن يتحول كل المستولين الذين أرادوا خراب سورية الوطن على موائد المال والأعداء إلى مستولين حقيقيين بعد أن ينفضّ المولد، وينتهي توزيع الملبس على الحاضرين، احتفالاً من أسيادهم بالخلاص من ورطة كبرى، واحتفالاً من السوري المنتمي بأنه بقي محافظاً على سوريته وعلى شخصه ومبادئه المهمة التي لا تساوم على الوطن..
معركتان تؤديهما سورية في وقت واحد، المعركة الأولى الشرسة التي يشنها الأعداء والخونة، ولا تصنيف لهم سوى الخيانة، مهما حاولا أن يغيروا فيها وفي مسمياتها، وهذه المعركة كسبتها سورية، وكسبتها الدولة السورية، لتنتقل إلى مرحلة أخرى، وهي المعركة الثانية، وأظن أنها الأكثر أهمية، وتتمثل في البناء، وليس ما يقوله المتحولون وأصحاب شركات إعادة الإعمار، فالإعمار ممكن وسهل، ويحققه الإنسان ببساطة وسهولة، بل يمكن أن تحققه شركات متمولة بالأجر، أما إعادة البناء فهي العملية الأكثر دقة والأكثر خطورة وأهمية.
السوري الذي استطاع أن يفشل جميع المخططات المتآمرة، والذي عمل بلا هوادة خلال سنوات الحرب الطويلة فحافظ على نسيج المجتمع السوري يستحق أن يتم الالتفات إليه من الدولة السورية، ليكون هو عماد البناء، ولا يخفى أن بناء الإنسان أهم عشرات المرات من إعمار المدن.
والذي لا ريب فيه أن هذه الحرب أدت إلى أشياء خطيرة في المفاهيم، ونقلت أناساً من مواقع إلى أخرى، وقلبت الموازين، وجعلت كثيراً من الناس الذين لا قيمة لهم في أماكن التحكم والسيطرة، بل أيضاً تخريب الوطن، وهدر طاقاته وقدراته، والذي لا شك فيه يتمثل في أن عدداً لا يستهان به من المثقفين والأكاديميين والاقتصاديين الذين بقوا في سورية، بقوا تحقيقاً لمصالحهم وزيادة مكتسباتهم بانتظار الوصول إلى الخاتمة والنتيجة ليقوم واحدهم بتحديد موقفه النهائي، وذلك بعد أن يكون قد أدى دوره ومهامه المنوطة به من دوافع ذاتية أنانية حاقدة، وربما من جهات خارجية..
خلال سنوات الحرب قرأنا وسمعنا ورأينا
خلال سنوات الحرب تعرض المواطن السوري من شريكه لشتى أنواع التجاوزات، وتحمّل ولم يستطع أي شيء أن ينال من رغبته في البقاء في وطنه، لا لشيء، إلا لأنه على يقين بأن الوطن يستحق الكثير، وأن ما يمنحه للإنسان من مكانة أهم من أي شيء، وإن كان السوري يفهم طبيعة الحقد الواصل من وزير ومسؤول سابق، أو من ضابط متقاعد، أو ضابط منشق، والذين ينفثون سمومهم وأحقادهم الشخصية على سورية وإنسانها، فإنه لا يفهم، وليس المطلوب منه أن يفهم الكمّ الكبير من الحقد والغدر الذي يطوله من الذين بقوا داخل سورية، وكأن بعضهم يقول له: هذا عقابك لأنك لم تخرج خارج سورية!
قبل إعمار البيوت لا بد من التنظيف والكنس والتجهيز من كل الطفيليات التي أخذت راحتها خلال سنوات الحرب، والتي استغلت الحرب لتقول عن أي شخص منتقد إنه ضد الوطن، وإنه معارضة وربما وصفوه بالمعارضة غير الشريفة! انتهى الوقت الذي يستطيع أحدهم أن يمارس تطهير نفسه وهو كله دنس وفساد، والذي يستطيع أن يقوم بشيطنة الآخر من أجل مصالحه ومصالح أزلامه ورؤاه الضيقة التافهة.. انتهى الوقت الذي يرى المدير مديريته له، والوقت الذي يرى فيه الوزير وزارته من ملكياته الخاصة، والذي يرى فيه الأستاذ أن رقاب طلابه من حقه ومن حقه وحده ولا أحد يحاسبه… انتهى الوقت الذي يمارس أحدهم قوانين خلّبية ومن صنعه على الناس بحجة واهية، وبحجج من صنعه! السوري الذي صمت وضغط على الجرح سيصرخ في وجه كل فاسد ومتجاوز وهاضم لحقوقه، السوري الذي غمر شهيده بأغنية للوطن يستحق أن يسمع صوته الناس في كل مكان، ويستحق نوعية أخرى من الذين يتولون أمره وشؤونه، ولا يفرضون عليه ضريبة البقاء في سورية، ولا يأخذون منه ضريبة على دم ولده الشهيد!!
الأم السورية التي نثرت رحمها من شمال سورية إلى جنوبها قادرة على وهب المزيد من غنى رحمها، وهي لن تتوقف عن حراسة دم ابنها الشهيد..!
السوري المقاوم والمنتمي
السورية المقاومة والمنتمية
عجز عنهما التآمر والعدوان، ولن يعجزهما – على الإطلاق – الصراخ في وجه كل عدو لسورية داخل سورية، وما أكثر هؤلاء، وستسترد سورية شخصيتها كاملة، كما استرد جنديها ترابها، وكما سيبقى ليسترد كل ذرة من ترابها.. السوري لن يقبل في الأيام القادمة إلا مسؤولاً لخدمته لا لسلبه حقوقه سعياً إلى استثناء، أو طي في غياهب النسيان. لن يقبل السوري ذلك المسؤول الذي يعدّ موقعه مخولاً له لاستعباد الناس وحاجاتهم وأجسادهم، السوري لن يقبل ذلك الذي يمضي وقته ساهراً متمتعاً بكل الملذات وهو غير قادر على الحصول على قوته! فملذات السيد المسؤول من دم الشهيد، وحقوقه وحدها له، لا مجال للسوري أن يقبل مسؤولاً يحمل السيجار الكوبي الفاخر مباهياً ولا يمتطي السيارة الفارهة هو ومن حوله من المدللين من الأسرة والأصدقاء والحوريات.. السوري لا يستحق أن يسهر المسؤول في مرابع النجوم التي لا يدركها العدّ وهو يحار كيف يحصل على قطعة من لحم وخضار .. السوري لا يستحق أن يصدم عينيه برؤية المسؤول يتباهى بأفخر أنواع المشروب، وهو غير قادر على شراب البودرة المغشوش، السوري لا يمكن أن يقبل تشدّق كثيرين بالوطنية على حسابه لتسويغ اقتناص البيوت والعطايا والمال..!
حين يجد السوري ذلك المسؤول الذي يعطيه حقه ولا يراه خصماً، وحين يرى ذلك المسؤول الذي يتواضع ويركب سيارة عادية، وحين يرى المسؤول الذي لا يحتاج إلى هاتف لمراجعة في حق، وحين يرى المسؤول الذي يراه شريكاً ويشاوره في قراره، وحين يرى ذلك المسؤول الذي لا يقفل بابه… حين وحين تصبح سورية في قمة البناء الحضاري والإنساني والوطني، وإعمار البنيان يأتي تابعاً له، وتحصيل حاصل.. سورية ستنهض، ولن يحدث إلا بتكاتف أبنائها وبناتها ومسح الكمّ الهائل من الطفيليات غير المرئية في الداخل.. قد يحدث، قد يتأخر، قد يتسارع، قد يرحل بعضنا قبل حدوثه، قد يموت أحدنا بغصة الظلم، وهو يرى هؤلاء يظلمون ويسرحون ويمرحون، لكن الغدّ القادم سيكون مختلفاً، والمشروع الإصلاحي السوري سينطلق حتماً، ولن يكون قائماً على الطفيليين بل على المختمرين علماً ومعرفة وتجربة وانتماء.. سينطلق مشروع الإصلاح السوري وهو الذي يحدد وطنية الوطني بعمله وممارسته، وليس الأشخاص هم من يحدد الوطنية بعملية فرز مصلحية.
غداً ستشرق الشمس ونستيقظ على ولادة مشروع سورية الإصلاحي في كل ميدان وسيبدأ البناء الحضاري المذهل، فلا تخف أيها السوري، أنت وسوريتك باقيان وكل الطفيليين داخلاً وخارجاً سيرحلون من دون أن يشعر بهم حتى من يدفعهم إلى النهاية.