سورية…. تاريخ حافل لأكثر من مليون عام … قدمت عدداً من الأباطرة الذين حكموا روما وأسهموا في حضارة البحر المتوسط
| المهندس علي المبيض
إن على كل إنسان متمدن في العالم أن يقول: إن لي وطنين، وطني الذي أعيش فيه وسورية
أندريه بارو
مدير متحف اللوفر الأسبق
تنفرد سورية بموقعها الجغرافي المهم كونها تربط القارات الثلاث وكانت منذ القدم صلة الوصل الوحيدة بين الشرق والغرب، وتعتبر من أهم محطات القوافل التجارية التي كانت تسلك طريق الحرير حيث كانت توصف بأنها بوابة طريق الحرير وعندها تفترق القوافل التجارية شمالاً باتجاه أوروبا وغرباً باتجاه شمال إفريقيا وجنوباً باتجاه الجزيرة العربية واليمن.
هذا الموقع الجغرافي المتميز بالإضافة لمواردها الطبيعية الغنية والمتنوعة جعلتها عرضة للعديد من الحروب والغزوات وكانت وعلى مدار عمرها المديد مطمعاً للكثير من الحملات العسكرية وعلى اختلاف مسمياتها.
استوطن الإنسان القديم سورية منذ فجر التاريخ وفيها انتقل لأول مرة من العيش في الكهوف إلى التفكير ببناء البيوت حيث بدأ يبني بيوتاً من الطين سقفها من الجلد والقش وأغصان الشجر.
ان الحضارات والممالك التي قامت في سورية شملت كل الأراضي السورية دون استثناء، فتحت كل حجر من هذه الأرض الطيبة يكمن كنز حقيقي يروي قصص حضارات لها بداية وليس لها نهاية.
إننا نحاول من خلال هذه المقالات المتتابعة أن نتحدث عن التاريخ السوري كأحد أهم روافع الفن والفكر واللغة والاقتصاد والعمارة والاجتماع من حيث كونه سجلاً لنشاط الإنسان المادي والروحي وسجلاً لتطوره الفني والثقافي، ومفسراً لعلاقاته التي ينسجها مع محيطه وبيئته خلال مراحل مسيرته الطويلة ونهدف من وراء ذلك التأكيد على وحدة السكان والأرض والحضارة والتراث الثقافي منذ فجر التاريخ، والذي سيصل بنا بالتأكيد للوقوف على عظمة سورية وكذلك أصالة السوري وتجذره في أرضه وسعيه الدائم للمساهمة في منظومة الحضارات الإنسانية بمفهومها الواسع والمطلق وأن الإنسان السوري منذ القدم والذي شارك بفاعلية وترك بصمة واضحة جداً في بناء الحضارة جدير بأحفاده إعادة بناء ما تهدم من آثار هذه الحضارات والتي يحاول الظلاميون باستمرار إزالة آثارها والتي تشهد على عظمة هذا التاريخ.
يعتقد الباحثون وعلماء الآثار أن سورية واحدة من أهم المناطق التي قامت وتعاقبت عليها الحضارات العديدة والمتنوعة ولا نبالغ أبداً إذا قلنا إن تاريخ سورية يمتد لأكثر من مليون عام….
فقد كشفت التنقيبات الأثرية التي تمت في العديد من المواقع الأثرية في سورية أن هذه المنطقة التاريخية كانت موطناً للإنسان القديم ويستدل على ذلك من الأدوات التي كان يستخدمها والتي تعتبر شاهداً هاماً على وجوده وأسلوب معيشته وعمله وكيفية تعامله مع المحيط.
ومكنت هذه المكتشفات والتنقيبات من رسم خريطة لتتبع مسيرة حياة الإنسان منذ القدم حيث تم العثور على أقدم الفؤوس الحجرية في قرية ست مرخو شمال محافظة اللاذقية، كما تم العثور على هياكل عظمية بشرية في موقع كهف الديدرية في منطقة عفرين لإنسان النياندرتال الذي انقرض منذ حوالي35000 ألفاً عام قبل الميلاد حيث ظهر بعده الإنسان العاقل وهو السلف المباشر للإنسان الحالي.
وتعد التنقيبات الأثرية في منطقة يبرود في ريف دمشق من أقدم ما عرف العالم في الصناعات الحجرية وهي تعكس تنوع تلك الحضارة التي قامت هناك منذ /200/ ألف عام.
كما أكدت الاكتشافات التي تمت في البادية السورية في منطقة حوضة الكوم والتي تقع في منتصف الطريق بين الرقة وتدمر وجود استقرار إنساني حولها يعود تاريخه إلى خمسمئة ألف عام، استدل على ذلك من وجود الأدوات الحجرية الحياتية المستخدمة.
ومكنته الاكتشافات والآثار والدلائل من تتبع تطور الإنسان وأسلوب حياته بشكل دقيق لدرجة أنه يصعب فهم عصور ما قبل التاريخ في هذه المنطقة دون الانطلاق من سورية ودون فهم تاريخ سورية.
العصور التي مرت على سورية
يمكن أن نصنف العصور في سورية وفق ما يلي:
* العصر الحجري القديم في سورية يبدأ منذ مليون عام ويمتد لغاية 12000عام قبل الميلاد.
* العصر الحجري الأوسط يمتد منذ 12000عام قبل الميلاد ولغاية 8000 عام قبل الميلاد.
* العصر الحجري الحديث يمتد منذ 8000 عام قبل الميلاد ولغاية 6000عام قبل الميلاد.
* عصر الفخار يبدأ منذ 6000 عام وحتى 4000 عام قبل الميلاد.
يقع أقدم موقع للعصر الحجري القديم في سرير نهر الكبير الشمالي وهو يعود إلى مليون عام، حيث انتشرت مواقع الاستيطان في أحواض الأنهار مثل نهر الكبير الشمالي ونهر الفرات والعاصي، كما اكتشفت في مغائر يبرود ألواح تعود إلى ربع مليون عام، وكانت هذه الأدوات الحجرية مصنعة بشكل أكثر دقة وهي تدل على نوعية السلاح الذي كان يستخدمه الإنسان القديم لحماية نفسه، كما وتنفرد سورية بأسبقيتها العالمية باستعمال الفخار ثم باستعمال المعدن.
اعتمد سكان المريبط حوالي عام 8500 قبل الميلاد على صيد الحيوانات والأسماك وجمع النباتات، حيث ظهرت القرى الزراعية في المريبط وأبي هريرة وبقرص على نهر الفرات وانتقل الإنسان من صياد يصطاد ليأكل الى منتج بتحوله إلى الزراعة.
وبنى الإنسان بيته من طين وغطاها بأغصان الشجر وكان الاستقرار سبباً في تكوين الأسرة.
منذ بداية الألف التاسع قبل الميلاد عثر في سورية على آثار لزراعة القمح والشعير وتربية المواشي كما عثر على أبنية دائرية ومستطيلة.
وفي بداية الألف السادس قبل الميلاد تم استعمال الفخار حيث ظهر ذلك في الأدوات المنزلية التي تم اكتشافها.
مراحل تاريخها وحوادث
ونجد أنه من المفيد استعراض المراحل التاريخية وتواريخ بعض الحوادث التي مرت على سورية ولو باستعراض سريع وقد يتسنى لنا أن نتحدث بالتفصيل مستقبلاً عن هذه المراحل:
1. العصر الحجري القديم ويمتد من مليون عام إلى 1200 عام قبل الميلاد.
2. العصر الكباري – الكوم 12000عام قبل الميلاد.
3. العصر النطوفي – المريبط 10000عام قبل الميلاد.
4. العصر الحجري الحديث – المريبط 8500 عام قبل الميلاد.
5. العصر الحجري الحديث – بقرص – رأس الشمرة 6500عام قبل الميلاد.
6. العصر الحجري الحديث – تل الرماد 6000عام قبل الميلاد.
7. العصر الحجري الحديث – تل حلف 5000 عام قبل الميلاد.
8. بداية التاريخ – حبوبة كبيرة العصر السومري3500عام قبل الميلاد.
9. العصر البرونزي القديم – 2800 عام قبل الميلاد.
10. العصر البرونزي القديم – تل حويزة – 2700 عام قبل الميلاد.
11. العصر البرونزي القديم- قصر ماري واستيلاء إيبلا على ماري عام 2600 قبل الميلاد.
12. العصر البرونزي القديم – قصر إيبلا عام 2450 قبل الميلاد.
13. الاستيلاء على إيبلا صارغون – نارام سين عام 2200 قبل الميلاد.
14. النزوح إلى الغرب – العموريون عام 2100 قبل الميلاد.
15. حكام اور في ماري شمسي حدد عام 2000 قبل الميلاد.
16. الممالك العمورية عام 1900 قبل الميلاد.
17. عودة مملكة إيبلا عام 1850 قبل الميلاد.
18. مملكة يمحاض (حلب) عام 1800 فبل الميلاد.
19. احتلال ماري من حمورابي عام 1750 قبل الميلاد.
20. دخول الحثيين الى سورية وبابل عام 1550 قبل الميلاد.
21. الإمبراطورية الميتانية عام 1450 قبل الميلاد.
22. عصر العمارنة عام 1350 قبل الميلاد.
23. مملكة إيبلا عام 1300 قبل الميلاد.
24. معركة قادش عام 1285 قبل الميلاد.
25. المملكة الحثية الجديدة في حماة عام 1100 قبل الميلاد.
26. الممالك الآرامية في الشمال وفي دمشق عام 900 قبل الميلاد.
27. الآشوريين عام 750 قبل الميلاد.
28. سورية مقاطعة بابلية حديثة عام 600 قبل الميلاد.
29. سورية تلحق بالإمبراطورية الإخمينية عام 550 قبل الميلاد.
30. الإسكندر المقدوني في سورية عام 333 قبل الميلاد.
31. الإمبراطورية السلوقية عام 300 قبل الميلاد.
32. إنشاء أنطاكية عام 250 قبل الميلاد.
33. الإمبراطورية البارثية عام 100 قبل الميلاد.
34. سورية مقاطعة رومانية عام 64 قبل الميلاد.
35. بصرى عاصمة المقاطعة العربية عام 106م.
36. تدمر الآرامية عام 194م.
37. الاستيلاء على تدمر من أورليان عام 272 م.
38. البيزنطيون القرن الرابع الميلادي.
39. الأمويون 661 – 750 م.
40. العباسيون 750 – 1258 م.
41. الحمدانيون 950 – 1004 م.
42. الفاطميون في مصر والشام 969 – 1171 م.
43. السلاجقة 1031 – 1157 م.
44. الزنكيون 1181 – 1227 م.
45. الأيوبيون 1174 – 1250 م.
46. المماليك في مصر وسورية 1258 – 1517 م.
47. الغزو المغولي 1258 – 1260 م.
48. الاحتلال العثماني 1516 – 1918 م.
49. الاحتلال الفرنسي 1920 – 1946 م.
50. الاستقلال 1946 م.
بالإضافة إلى أن سورية قدمت للإمبراطورية الرومانية العديد من الأباطرة الذين حكموا الإمبراطورية والذين ساهموا بشكل رئيسي بنشر الحضارة في أرجاء البحر المتوسط ومنهم فيليب العربي الذي ولد عام 204 م في قرية شهبا بالقرب من بصرى وجوليا دومنا التي منحتها روما لقب أم الوطن وابنها كركلا وحفيدها إيلاغبال.
إن معرفة حركة التاريخ ضرورة حتمية وهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمعرفة الجغرافيا، ومن لايعرف تاريخه لن يعرف كيف يدافع عن جغرافيته.
وبالنتيجة فإن تاريخ وماضي أي شعب هو بمثابة جذور الشجرة التي تمدها بالحياة، وكلما كانت الجذور عميقة وضاربة في الأرض كلما كانت الشجرة أقوى على مقاومة الرياح العاتية ولطالما استمدت منها قوتها واستمرارها ومقاومتها للظروف المتقلبة.
سورية الراسخة…. سورية الشامخة
ستبقى عصية على الأزمات التي تعصف بها، كما تجاوزت طوال عمرها المديد كل الأزمات التي مرت بها.