آخر الصفعات العراقية لأميركا وآل سعود
| أحمد ضيف اللـه
في إطار السعي إلى تشكيل الكتلة النيابية الأكبر أي التي ستضم 165 نائباً من مجموع 329 عدد نواب المجلس النيابي، والتي ستُسمي رئيس الوزراء العراقي المقبل، وصلت التفاهمات بين الكتل السياسية إلى مرحلة متقدمة، حيث بدأت تتضح ملامح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بعد إعلان التحالف في الـ23 من حزيران الماضي بين «سائرون» برئاسة مقتدى الصدر و«النصر» برئاسة رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي.
على الرغم من أن بيان إعلان تحالفهما لم يشر نهائياً إلى التحالفات الذي سبق أن أعلنت بين «سائرون» و«تحالف الفتح» برئاسة هادي العامري في الـ12 من حزيران الماضي، ولا إلى تحالف «سائرون» أيضاً مع «تيار الحكمة» برئاسة عمار الحكيم و«ائتلاف الوطنية» برئاسة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي الحاصل على 21 نائباً، والذي أُعلن عنه بتاريخ الـ7 من حزيران الماضي أيضاً، خاصة في ظل ضبابية موقف «ائتلاف الوطنية» إزاء ائتلافه مع الصدر والحكيم، حيث رفض لاحقاً توصيف ذلك بالتحالف، موضحاً أن ما اتُفق عليه هو «ورقة عمل تتضمن المبادئ الأساسية التي لا بد من توافرها في أي تحالف سياسي قد تنجم عنه الكتلة النيابية الأكبر»، وأن «التفاهمات بهذه الوثيقة لا ترتقي إلى أن تكون تحالفاً».
إن تحالف القوى الشيعية الأربع: «سائرون» 54 نائباً، و«الفتح» 47 نائباً، و«النصر» 40 نائباً، و«تيار الحكمة» 19 نائباً، تنبئ بأن ثمة توجّهاً إلى إعادة إحياء التحالف الوطني «الشيعي» الذي شهد الكثير من التصدعات خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات النيابية الماضية، ربما باسم جديد، ومن غير المستبعد أن ينضم إليه لاحقاً «ائتلاف دولة القانون» 25 نائباً برئاسة نوري المالكي، ليصبح عدد نواب التكتل الشيعي الجديد 185 نائباً.
إنه بمجرد التحاق أي قائمة سنيّة أو كردية من القوائم الفائزة بالانتخابات، بالكتلة النيابية «الشيعية» الأكثر عدداً، بعد الانتهاء من عمليات إعادة العد والفرز الجارية الآن لبعض الصناديق الانتخابية التي وردت شكاوى بشأنها، سيعلن التحالف «العابر للطائفية والإثنية»، ربما تحت اسم «تحالف الأغلبية الوطنية الأبوية»، بحسب رغبة مقتدى الصدر، وتنطلق معه عجلة تسمية تشكيل الحكومة المقبلة، بتسمية رئيسها.
لقد طار صواب المنظومات الخليجية والأميركية والتركية، وفلت عقالها، عندما أُعلن التحالف المفاجئ بين «سائرون» و«الفتح» الممثل لقوى الحشد الشعبي، حيث كانوا قد وضعوا كل حساباتهم، بأن ذلك لا يمكن أن يحصل، مطلقين الأبواق البشرية والافتراضية عبر البيانات والصحف والمواقع الإلكترونية المعروفة التوجه ضد هذا التحالف تحديداً.
الناطق باسم «ائتلاف الوطنية» حسين الموسوي قال في تصريحات له بعد يوم واحد من إعلان التحالف: إن «تحالف «سائرون» مع «الفتح» خطوة غير محسوبة من جانب الصدر أو الإخوة في «سائرون»، على اعتبار أن تحالفهم يسير بمنهج يختلف تماماً»، معتبراً أن «هذا التحالف لم يكن نتيجة إرادة وطنية بحتة، إنما جاء نتيجة المساعي الأخيرة خلال اليومين الماضيين التي قام بها الجنرال سليماني في بغداد، ولقائه قادة سياسيين، ورسالته إلى الصدر التي أنتجت هذا التحالف».
على حين دعت حركة غير معروفة سابقاً أطلقت على نفسها اسم «نداء 88» بتاريخ الـ30 من تموز الماضي، إلى التظاهر في ساحة التحرير ببغداد وباقي المحافظات، وإعلان الثورة على الأحزاب والساسة العراقيين الحاليين الذين يتهمونهم بالفشل والارتباط بالأجنبي، داعين إلى إسقاط العملية السياسية وتحويل نظام الحكم إلى رئاسي، بحسب دعوتهم.
مما يبدو أن ظهور حركة «نداء 88» بهذا التوقيت، التي هي بدون ملامح ولا هوية صريحة، تسعى إلى إقلاق الرأي العام لخلق صراعات داخلية للتشويش على التحالفات الأخيرة، بدفع وتمويل خليجي، وبأدوات مرتبطة بتنظيمات صدام حسين المنحلة، دلت عليها لغة وتراكيب النداء، والتسمية التي ربما كانت منسوبة إلى نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988.
على إيقاع أنغام التوتر والارتباك والانزعاج من إعلان هذا التحالف، توجه قادة القوى السنّية الرئيسة إلى تركيا، حيث أكد النائب السابق في اتحاد القوى العراقية شعلان الكريّم في حديث مع صحيفة «المدى» الصادرة في الـ3 من تموز الحالي، أن اللقاء في تركيا «اقتصر على حضور ومشاركة كل من رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري ورئيس المشروع العربي خميس الخنجر ورئيس كتلة الحل جمال الكربولي، ومحافظ صلاح الدين أحمد الجبوري»، وأن «هذه القيادات اتفقت على تشكيل كتلة تكون مواجهة للكتلة الشيعية المقرر تشكلها»، مبيناً أن «تركيا وقطر هما من مهّد لعقد هذا الاجتماع وحُضّر له بالتنسيق مع بعض القيادات السنيّة وعلى رأسهم رجل الأعمال خميس الخنجر».
مما يُشار إليه، أن خميس فرحان علي الخنجر العيساوي، هو سياسي ورجل أعمال عراقي، له علاقات تجارية مع العائلات الملكية الحاكمة في المنطقة، منها الأردن وقطر، متنقلاً بجواز سفر قطري، بعد أن حصل على جنسيتها، وقد سبق أن أشاد ومدح مراراً زعيم تنظيم داعش، حيث كتب مرة في حسابه على فيسبوك: «أبو بكر البغدادي هو زعيم الإسلام».
الاجتماع أخفق في ضم أغلب فائزي القوى السنيّة إليه رغم الضغط التركي والقطري، كما أخفق في التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل الكتلة السنيّة لمواجهة الكتلة الشيعية التي تقترب من إعلان نفسها ككتلة أكبر، متسبباً أيضاً في تصاعد حدة الانتقادات اللاذعة والواسعة له داخل العراق، وخاصة أن مجلس النواب الذي انتهت ولايته، كان قد قرر في الـ30 من نيسان 2017، منع السياسيين والمسؤولين العراقيين من الحضور أو المشاركة بالمؤتمرات والاجتماعات التي تمسّ أمن الدولة والنظام السياسي وتضر بالمصلحة الوطنية سواء عقدت خارج أم داخل العراق، على حين قلل المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب السابق سليم الجبوري من أهمية هذه الانتقادات، معتبراً أن «الأمر طبيعي جداً ويأتي امتداداً لاجتماعات سابقة تهدف إلى توحيد الرؤى والأفكار بعيدة عن أي تكتلات».
استكمالاً للصورة الهستيرية من إعلان التحالف بين «سائرون» و«الفتح»، عادت مجدداً نغمة تسمية «الحشد الشعبي» المنضوية قواه في تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري بـ«ميليشيا الحشد الشعبي الإيرانية»، في الإعلام الخليجي أو الصحف والمواقع المدعومة خليجياً، بعد أن توقفت لفترة، مشيدة في الوقت ذاته بمواقف السعودية «العروبية» مما يجري في المنطقة!
في حديثه لصحيفة «الشرق الأوسط» الصادرة في الـ3 من تموز الحالي، قال الصحفي العراقي أحمد جبار عناد المعروف بـ«أحمد الأبيض» المقيم في الأردن، مسوقاً السعودية كخيار عروبي: إن «الإيرانيين يرون أن لا حكومة عراقية يمكن أن تتشكل خارج التحالف الوطني الذي يتشكل برعايتهم ولذلك لا بد من إعادة إحيائه، وفي الوقت نفسه فإن الأتراك يرون أن نفوذهم لن يتحقق بالطريقة التي يريدونها هم ما لم توجد معادلة سنيّة كبيرة حيث إنهم من دونها لن يتحقق لهم ذلك، بينما السعودية تراهن على ما هو عروبي في العراق لأنه الوحيد الذي يمكن أن يقضي على التخندقات الطائفية والعرقية».
إن التحالفات «الشيعية» الأخيرة المعلنة، وخصوصاً التحالف بين «سائرون» و«الفتح»، كانت بمنزلة صفعة عراقية انتخابية مفاجئة في وجهة أميركا وآل سعود تحديداً، قاطعة في الوقت ذاته الطريق تماماً عليهما وعلى تركيا وباقي الدول الخليجية أيضاً، في أن يكون لهم الدور الأساس المقرر في تشكيل الحكومة المقبلة ومستقبل توجهاته.
ولنتذكر أن الاعتداء الأميركي في الـ18 من حزيران الماضي، على مقار قطعات «الحشد الشعبي» المدافعة عن الشريط الحدودي مع سورية، الذي أدى إلى استشهاد 22 مقاتلاً وإصابة 12 آخرين، ليس بالضرورة أن يكون الرد عليه عسكرياً فقط، فلننتظر ونراقب تنوع ردود قوى المقاومة التالية على قوى الإرهاب وداعميهم.